سقوط نبيه بري… سقوط آخر أوراق الوصاية السورية

خاص بوابة بيروت

لم تمرّ زيارة وزير الخارجية السوري إلى بيروت مرور الكرام. فالحدث الذي حاول البعض التهوين من دلالاته، حمل في طيّاته انقلابًا صامتًا على مرحلةٍ بكاملها من النفوذ والوصاية.

دمشق، التي لطالما أبقت خيوط التواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري قائمة رغم تغيّر الظروف، قرّرت هذه المرّة أن تُسقط القناع الأخير. لم يعد بري بوّابتها الإلزامية إلى لبنان، ولا عين التينة مركز ثقل العلاقة كما كانت في الماضي.

الزيارة السورية جاءت بلا لقاء في عين التينة، بلا صورة ولا مجاملة، لكنها جاءت برسالة مدوّية. تجاهل بري لم يكن تفصيلًا بروتوكوليًا، بل إعلانًا صريحًا عن سقوط مرحلة الوصاية التي كان يتغذّى منها نفوذ الرجل لعقود. فدمشق الجديدة، في ظل نظامٍ متحوّل يسعى لإعادة تموضعه الإقليمي والدولي، لم تعد ترى في رموز الأمس شركاء لمستقبلها السياسي.

لطالما قدّم بري نفسه كـ«ضابط إيقاع» العلاقة اللبنانية – السورية، وكوسيطٍ يُمسك بخيوط اللعبة بين بيروت ودمشق. لكنّ التحولات الجارية في الإقليم، وتآكل رصيده الداخلي، أفقداه تلك المكانة التي كان يتكئ عليها ليبقى لاعبًا لا يمكن تجاوزه. لم تعد عين التينة تمرّ عبرها الرسائل السورية، ولم يعد ولاء الأمس كافيًا لحجز مقعدٍ في معادلة اليوم.

في حسابات دمشق، انتهى زمن الوسطاء. وفي ميزان بيروت، تهاوى أحد أعمدة النظام السياسي القديم الذي عاش على توازنات ما قبل السيادة. والصفعة الدبلوماسية التي تلقّاها بري هذه المرة ليست سوى التعبير الأوضح عن أن النظام السوري، مهما كانت أزماته، لم يعد يعترف بولاءاتٍ منتهية الصلاحية.

انتهى عهد الوصاية فعلاً. ومع سقوط رمزيّة بري، سقط آخر أعمدة المرحلة التي كبّلت لبنان لعقودٍ تحت ذرائع “العلاقات الأخوية”. وما بعد زيارة وزير الخارجيه السوري، لن يكون كما قبلها، إذ سقط القناع، وسقط معه آخر من بقي يتغذّى على رماد زمنٍ ولّى.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com