في مديح #لاسلو_كراسنهوركاي، صاحب “تانغو الخراب”

بقلم عقل العويط

مرحبا أيّها الفائز بنوبل الأدب، أمس الخميس، التاسع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2025، وسلامي إليكَ أيّها المجريّ لاسلو كراسنهوركاي.

لن أتردّد في الإعراب عن الغبطة لنيلكَ هذه الجائزة المهيبة، وحسنًا فعلت الأكاديميّة الأسوجيّة في إعلان “براءة الجائزة”، عندما لفتت إلى “عملكَ الآسر والرؤيويّ الذي يؤكّد من جديد، قوّة الفنّ، وسط الرعب الأبوكاليبسيّ” الذي يلفّ العالم، ورأت أنّكَ “كاتبٌ ملحميّ عظيم تنتمي إلى التقاليد الأدبيّة في أوروبا المركزيّة، الممتدّة من كافكا إلى توماس برنهارد، والمتميّزة بالعبثيّة والمبالغة الغروتسكيّة، (لكنْ) لديكَ أدوات فنّيّة أوسع، وتنظر أيضًا إلى الشرق متبنّيًا نبرةً أكثر تأمّلًا ورهافةً”.

لا أخفيكَ أنّي شديد الارتياح حيال فوزكَ، إذ يكفيني أنْ تكون كتبتَ: “أشعر بحزٍن كبير عندما أفكّر في حالة العالم الآن، وهذه المرارة هي أعظم مصدر للإلهام عندي”.

لو تعرف كم تُميتني حالة العالم اليوم، يا لاسلو!

وعليه، يمكنكَ، أيّها المجريّ، أنْ تُراقِص الخراب الكونيّ بالطريقة الأدبيّة التي تراها مناسبةً، أو تراها الأجدى. أنتَ اخترتَ رقصة التانغو، على ما يشي بذلك عنوان كتابكَ الأثير، “تانغو الخراب” Satantango، الذي نقله إلى العربيّة الحارث النبهان، منشورات “دار التنوير”، 2015. أمّا الخراب فهو الخراب، وهو الوجهةُ الراعبة التي ينساق إليها القطار الكونيّ الراهن بعزمٍ أكيد، وبتغوّلٍ لم يسبق له مثيل.

لستُ أدري أيّ الرقصات ينبغي للمرء القتيل أنْ يؤدّيها، وهو يُهرَس روحًا وجسمًا، تحت عجلات التوحّش الذي يغزو العالم في جنوبه وشماله، حيث ملياراتٌ مؤكّدةٌ من البشر تلقى هذا المصير المظلم.

وكم يسعدني أن تقول إنّ “الأدب موجود في ذاته، بغض النظر عن التوقّعات غير الأدبيّة”، فالمهمّ دومًا أنْ يبقى الأدب غاية ذاته، منضويًا في البحث عن جوهر هذه الذات الشريدة، وفي الكشف عن اللغة التي تضيء مسيرته في متاهة الكلمات.

وأنا معكَ عندما تكتب أنّ الأدب “لا يزال يُقرأ. ولأولئك الذين يقرأونه، فإنّه يمنح أملًا بأنّ الجمال، والنبل، والسموّ، لا تزال موجودة لذاتها”.

وهو، هذا الأدب، يا لاسلو، يمنح الكتّاب الأصيلين مثل هذا الأمل.

وأنا عارفٌ تمامًا، يا لاسلو، أنّكَ تكتب لا لترضي أحدًا، ولا لكي تفهّم بسهولة، بل لتقبض على ما يمكن القبض عليه، والإمساك به، أي “تلك اللحظة الهاربة، وتلك الحقيقة التي لا تُقال”، وكم يعزّيني أنّكَ كتبتَ “بأنّ الأدب لا يزال قادرًا على إنقاذ الروح، لا من خلال الوعظ، بل من خلال الجمال. الجمال هو طريقنا الأخير نحو الفهم”.

إسمعْ يا لاسلو، كثرٌ عندنا في العالم العربيّ، وفي “الغرب”، خاب أملهم لأنّك “خطفتَ” جائزة نوبل. فهؤلاء كانوا يفضّلون لو ذهبتْ إلى الشاعر العربيّ الذي نشر قصيدته العصماء الشهيرة، في جريدة “السفير” اللبنانيّة، “تحيّة إلى الثورة الإيرانيّة”، غداة وصول الخميني إلى السلطة، 1979، وكان يخاطب رئيس بلاده الجلّاد “الأبديّ” بعبارة “سيادة الرئيس”.

هذا الشاعر نفسه، وهو الأكثر شهرةً إعلاميّةً بين منافسيه “النوبليّين” العرب، الأحياء والموتى، كانت هذه الجائزة – لا الشعر – شغله الشاغل، وهو لطالما لهث وراءها، وجنّد وسائل إعلامه شرقًا وغربًا، لعلّ “كرادلة نوبل” يرقّون لحاله، ويختمون بها مسيرته الأدبيّة.

أريد يا لاسلو، أنْ تأتي لزيارتنا، فلعلّكَ تكتب “رقصةً” أخرى خاصّة بالخراب الشرقيّ الذي يعمّ بلادنا.

سلامي إليكَ.

اخترنا لك