غزّة بين ركام الحرب وحق الحياة… عن عدوّ اسمه السلام

بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي

عاد أهالي غزة إلى ما تبقّى من أحيائهم، محمّلين بآلام الفقد، مثقلين بالجراح، يبحثون عن حياة وسط الركام. مشهد العودة لم يكن انتصارًا عسكريًا ولا نهاية لصراع طويل، بل إعلانًا شعبيًا بأن الفلسطيني، رغم القهر، لا يزال يملك القدرة على الصمود… بل والإصرار على الحياة.

عائلات أُبيدت بالكامل، أطفال فُقدوا تحت الأنقاض، آلاف الضحايا ارتقوا في حربٍ طاحنة، دُمّرت فيها البنى التحتية، وضُربت كل مظاهر الحياة. وبرغم كل هذا، اختار الغزيون أن يعودوا… سيرًا على الأقدام، بلا مأوى، بلا ضمانات، لكن بأمل.

هذا الأمل، في حقيقته، هو التحدي الأكبر للمنظومة الصهيونية، وهو ما يجعل السلام العادل، القائم على الاعتراف بدولة فلسطين وحق شعبها في تقرير المصير، العدو الحقيقي لإسرائيل.

لأن إسرائيل لا تخاف الحرب بقدر ما تخاف السلام. السلام يُنهي حججها، ويكشف حقيقتها، ويفتح ملفّاتها في المحافل الدولية.

الاختبار الأخلاقي والسياسي الحقيقي اليوم ليس فقط في غزة، بل أيضًا في الضفة والقدس، وفي كل من يرفع شعار “المقاومة” دون محاسبة أو مسؤولية.

في إسرائيل، الدولة العدوّة، قد يُستدعى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى المحاكمة، وقد يُسجن، لا بسبب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، بل بسبب ملفات فساد وإخفاقات في إدارة الحرب.

في المقابل، في واقعنا العربي، لا مراجعة، لا مساءلة، لا شفافية.

الميليشيات ترفع صور القادة والشهداء، وتحتفل ببدء الحرب كما تحتفل بانتهائها، دون أن تسأل: لماذا قُتل الناس؟ وهل كان بالإمكان تجنّب الحرب؟ وهل هناك طريق آخر لانتزاع الحقوق؟

نعم، نؤمن أن العدو لا ينتظر ذريعة لشن عدوانه، لكنه يبحث عنها ويستغلّها.. ولهذا، مسؤوليتنا اليوم أن نُحسن إدارة قضيتنا، ونمنع هذا العدو من امتلاك سردية تضليلية أمام العالم.

إن أول خطوات المواجهة هي:

إعادة الاعتبار للقرار الوطني الفلسطيني الموحّد.

التحرّر من التبعية للمشروع الصفوي الإيراني، الذي يحوّل القضايا إلى أدوات مساومة إقليمية.

تبنّي مشروع سلام عادل يضع إسرائيل أمام حقيقتها كدولة احتلال.

أهل غزة لا يريدون خطابات ولا شعارات ولا صور شهداء تُعلّق بلا معنى.

يريدون دولة، وكرامة، وسقفًا يأوي أطفالهم، ومدرسة، ومستشفى، وحدًا أدنى من الأمان.

نعم، نحن في لحظة فاصلة.

فإما أن نبني مشروعًا فلسطينيًا جامعًا، عقلانيًا، مقاومًا بالفكر والبناء والمؤسسات…

وإما أن نواصل الدوران في حلقة الحرب والدمار، لصالح وكلاء أنظمة وميليشيات لا ترى في فلسطين إلا منصة لتكريس نفوذها.

من يُرد حقّ الفلسطيني، فليساعده على بناء دولة.
ومن يُرد مواجهة إسرائيل، فليُسلّح الفلسطيني بالسلام… لا بالشعارات.
سلاما لغزة ولكل فلسطين ..

اخترنا لك