آن للبنان أن يتحرر من إرث آل الأسد

من تعليق المجلس إلى تصحيح المسار : إليكم لبنان وسوريا بعد 20 عاماً

بقلم نخلة عضيمي

لم يكن قرار تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني – السوري خطوة بروتوكولية محدودة الأثر.

بل هو لحظة سياسية مفصلية تشبه كسر حلقة من حلقات الوصاية التي كبّلت لبنان لعقود. فالمجلس، الذي أنشئ عام 1991 بعد توقيع معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق، لم يكن يومًا منصة لتعاون ندّي بين دولتين مستقلتين، بل أداة لضبط القرار اللبناني وفق الإيقاع الدمشقي.

منذ قيامه، شكّل المجلس “الغطاء المؤسساتي” لحقبة السيطرة السورية على مفاصل الدولة اللبنانية — من السياسة إلى الأمن، ومن التعيينات إلى القرارات السيادية.

كانت بيروت يومها تتنفس بإذن المخابرات، وتفاوض تحت سقف “التشاور الإلزامي” مع النظام الذي لم يكن يرى في لبنان إلا حديقة خلفية لسلطته وامتدادًا لحدوده.

معاهدات على مقاس الوصاية البائدة

1. معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق (1991)

تاريخ التوقيع: 22 أيار 1991 بين حكومتي لبنان وسوريا.

الغاية المعلنة: “تنسيق سياسي وأمني وعسكري واقتصادي”.

الواقع العملي: كانت غطاءً قانونيًا لهيمنة سورية على القرار اللبناني، إذ ألزمت لبنان بالتشاور مع دمشق في قراراته الاستراتيجية والدفاعية.

المطلوب: إلغاؤها بالكامل، لأنها تتناقض مع مبدأ السيادة اللبنانية وتكريس استقلال القرار الوطني.

2. الاتفاق الأمني اللبناني – السوري (1991)

نصّ على تبادل المعلومات الأمنية والتنسيق بين الأجهزة.

عمليًا شكّل غطاءً للتدخل السوري في عمل الأجهزة اللبنانية وملاحقة معارضين سوريين على الأراضي اللبنانية.

المطلوب: إنهاؤه فورًا، إذ لم يعد هناك مبرر لوجود تعاون أمني مع زوال نظام متهم دوليًا بارتكاب جرائم حرب.

3. اتفاقات النقل والتجارة والتبادل الجمركي

وُقعت في التسعينات تحت شعار “وحدة المسار والمصير” وفتحت الحدود دون تنظيم اقتصادي عادل.

النتيجة: تهريب واسع، وضرر مباشر بالصناعة والزراعة اللبنانية لصالح المنتجات السورية الأرخص.

المطلوب: إعادة التفاوض على أساس اتفاقات تجارية متكافئة تحفظ مصلحة لبنان أولًا.

4. اتفاقات التنسيق التربوي والثقافي والإعلامي

فرضت تناغمًا في المناهج التعليمية والإعلام الرسمي مع الخطاب البعثي.

المطلوب: مراجعتها وإلغاؤها لأنها تتعارض مع هوية لبنان التعددية والانفتاح الثقافي الذي يميزه.

5. آلية التنسيق العسكري السابقة

حتى بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005، بقيت قنوات اتصال وتعاون غير رسمية عبر ضباط وملحقين.

المطلوب: إنهاء أي شكل من التنسيق العسكري أو الأمني المباشر خارج الأطر الدبلوماسية الطبيعية.

6. الاتفاقات المتعلقة بالعمالة والنزوح

لم تكن هناك آليات واضحة لتنظيم دخول وخروج العمال السوريين أو النازحين بعد الحرب.

المطلوب: إنشاء اتفاق جديد يحدد الإقامة الشرعية، وينظم العلاقة وفق القانون الدولي والاتفاقيات الإنسانية، لا وفق تفاهمات أمنية قديمة.

بعد عشرين عامًا: لبنان وسوريا بين ذاكرة الوصاية ومستقبل الشراكة

بعد عقدين من التحولات، قد تتغير نظرة اللبنانيين والسوريين إلى بعضهم البعض من حذر الماضي إلى وعيٍ جديد بالجوار والمصالح المشتركة. فالعلاقات التي شابها تاريخ طويل من الوصاية والتجاذب قد تنضج، بعد عشرين عامًا، إلى نموذج عربي متوازن. فالجيل الجديد من الطرفين بات يميل إلى تحويل التجربة المريرة إلى دروس سياسية، وإرساء علاقة ندّية قائمة على الاحترام المتبادل والقرار المستقل.

فلا عودة إلى وصاية أمنية، ولا قبول بتجاهل سيادة أي طرف، بل تعاون مؤسساتي منظم يمر عبر الحكومتين لا عبر الأجهزة أو الوسطاء.

الاقتصاد بوابة الانفتاح

في السيناريو المثالي، يشكل الاقتصاد حجر الزاوية في إعادة بناء الثقة.

– مناطق صناعية وتجارية مشتركة على الحدود.

– ربط شبكات الكهرباء والمياه والنقل بين البلدين.

– ممرات اقتصادية من مرفأ طرابلس إلى الداخل السوري والعراقي.

بهذه الخطوات، تتحول سوريا إلى رئة لبنان البرية نحو الشرق، ويعود لبنان منفذ سوريا الطبيعي إلى المتوسط.

تعاون أمني لا وصاية

التعاون الأمني في المستقبل سيكون محددًا وواضحًا: مكافحة الإرهاب وتهريب السلاح والمخدرات، ضمن اتفاقات رسمية شفافة تخضع لرقابة برلمانية وقضائية، لا لعلاقات شخصية أو أمنية غامضة كما في الماضي.

الثقافة جسر لا أداة نفوذ

الإنتاج الثقافي والإعلامي والتعليم العالي ستكون أدوات التقارب الحقيقي، إذ يتقاطع فيها الشعبان، لا النظام مع النظام. هكذا تُستعاد الروابط الحضارية والمشرقية بروحٍ حرة لا بخطابٍ سلطوي.

وهكذا، يمكن القول إن لبنان دفع على مدى عشرات السنين ثمن “الأخوّة المفروضة” زمن آل الأسد، حين كانت قراراته تُصاغ في الخارج وتُفرض في الداخل.

اليوم، زيارة وزير الخارجية السورية بيروت ليست سوى البداية، ومن المتوقع أن يزور وزير العدل السوري بيروت الثلاثاء كما يكشف وزير العدل عادل نصار لبحث ملفي السجناء السوريين وطلب نصار تزويد لبنان المعلومات والوثائق المتوفرة المتعلقة بأعمال أمنية واغتيالات وقعت في لبنان في عهد النظام السابق.

وهكذا، الدولتان أمام فرصة نادرة لكتابة صفحة جديدة — أخوّة حقيقية وصولًا إلى علاقة ندية بين دولتين مستقلتين تتعاملان من خلال سفارتيهما فقط، لا من خلال مجالس أو أجهزة وصاية.

اخترنا لك