#لبنان بعد #شرم_الشيخ : الملف التالي في خريطة التسويات الإقليمية

بقلم داود رمال
@DaoudRammal

بعد أن طوى العالم صفحة الحرب في غزة بإعلان الاتفاق في شرم الشيخ، بدأت بوصلة الدبلوماسية الإقليمية والدولية تتحول تدريجًا نحو لبنان، الذي يبدو أنه سيكون المحطة التالية في مسار التسويات الكبرى في المنطقة. فالمشهد العام يشي بأن ما بعد غزة لن يشبه ما قبله، وأن مرحلة جديدة تتشكل عنوانها تثبيت الاستقرار على مختلف الجبهات، بدءًا من الجنوب اللبناني، حيث القرار الدولي 1701 واتفاقية وقف الأعمال العدائية بانتظار آلية تنفيذية واضحة تلزم الجانبين اللبناني والإسرائيلي ضمن مهل زمنية محددة لا تحتمل التأجيل.

في الأوساط الدبلوماسية في بيروت، تتكثف التوقعات بأن لبنان مقبل على ضغط دبلوماسي غير مسبوق، لا سيما من قبل سفراء الخماسية العربية والدولية الذين أعادوا تنشيط اتصالاتهم في العاصمة اللبنانية في الأيام الأخيرة. وتقول مصادر دبلوماسية لـ “نداء الوطن” إن “هذا الضغط سيتزامن مع ضغوط مقابلة تمارس على إسرائيل لضمان التزامها بالاتفاقات المقبلة”، فيما يُنتظر أن يزداد الزخم مع وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى بيروت في نهاية الشهر الحالي، وهو يحمل بحسب مطلعين توجيهات مباشرة لتفعيل الدور الأميركي في الملف اللبناني، سواء على صعيد ترسيم الحدود البرية أو وضع حدّ نهائي لحالة “الحرب واللاحرب واللاسلم” التي تخيّم على الجنوب منذ عام 2006.

ومع تصاعد هذه المؤشرات، لا يبدو مستبعدًا أن تشهد المرحلة المقبلة جولات تفاوضية شبيهة بتلك التي استضافتها شرم الشيخ بشأن غزة، ولكن هذه المرة بصيغة لبنانية – عربية – إقليمية – دولية، هدفها وضع آلية تنفيذية واضحة للقرار 1701 وتحديد التزامات الطرفين بما يضمن إنهاء حالة التوتر المزمن. وتشير المعطيات إلى أن مصر مرشحة بقوة لتكون الحاضنة لهذا المسار، انطلاقًا من نجاحها في إدارة مفاوضات غزة بثبات وحنكة، وهو ما أكده الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إشادته الأخيرة بالمفاوض المصري برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما يعزز الثقة بدور القاهرة كوسيط عربي مقبول من جميع الأطراف.

وإذا ما تحققت هذه المؤشرات، فإن لبنان سيجد نفسه أمام استحقاق دقيق يتطلب استعدادًا داخليًا كاملًا لمواجهة المرحلة المقبلة. فالنصائح الدبلوماسية المتداولة حاليًا في بيروت تدعو السلطات اللبنانية إلى الإسراع في “تصفير الخلافات الجانبية” وتعزيز التضامن الحكومي، بما يسمح بتقديم موقف وطني موحّد في أي مسار تفاوضي محتمل. كما تشدد هذه النصائح على ضرورة أن يتحدث لبنان بلغة واحدة، تجمع بين الواقعية السياسية والحفاظ على الثوابت السيادية، منعًا لاستغلال الانقسام الداخلي كعامل ضعف في مواجهة الضغوط الخارجية.

لبنان اليوم يقف على عتبة مرحلة جديدة قد توازي في أهميتها اتفاق الطائف أو ترسيم الحدود البحرية. فالتسوية المنتظرة ستتجاوز في أهميتها لا بل خطورتها ترتيبات أمنية محدودة، إنما قد تفتح الباب أمام إعادة صياغة العلاقة اللبنانية – الإسرائيلية ضمن إطار دولي واضح المعالم، وبضمانات عربية ودولية تضمن تطبيق القرار 1701 بشكل كامل. ومن هنا، فإن “الهدوء بعد غزة” قد يكون بداية مخاض دبلوماسي جديد عنوانه “لبنان في عين التسوية”، حيث تتقاطع الإرادات الكبرى لرسم ملامح استقرار إقليمي طال انتظاره.

اخترنا لك