حين يُختطف #الدين من جوهره : نداء لإحياء الضمير الإنساني

بقلم خلود وتار قاسم
@kholoudwk

الإسلام… وكل الأديان السماوية، نزلت رحمةً للإنسان، لا وسيلةً لترويضه.

أنزل الله الوحي على خاتم المرسلين محمد ﷺ ليُعلّم الناس الحياة الكريمة، ويهديهم إلى الحق في تعاملهم مع أنفسهم، وأهلهم، وأوطانهم، وحتى مع أعدائهم.

فجاء القرآن كتابَ حياةٍ قبل أن يكون كتابَ أحكام، فيه قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” (الحجرات: 13)

وقال أيضًا: “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” (البقرة: 256) فهل بعد هذا الوضوح غموض؟ وهل بعد هذا الجمال من مبررٍ للقتل والكراهية باسم الله؟

دخل الناس في الإسلام كما في المسيحية واليهودية وسائر الأديان، حبًّا وعدلاً، لأنهم وجدوا فيها معنى الرحمة الإلهية.

قال الرسول ﷺ: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” لكن أين مكارم الأخلاق اليوم؟ وأين الرحمة؟ وأين صوت العقل؟

لقد اختُطف الدين “كل دين” بأيدي من جعلوه سلّمًا لمصالحهم ومناصبهم، ودرعًا لجرائمهم الفكرية والسياسية.

تاجروا باسم الله، وابتزّوا الناس باسم الخلاص، حتى صار الدين عند العامة “وسيلة خوف” لا “منارة حبّ”.

ولذا، أتوجّه اليوم بعتبٍ صريح ومسؤول إلى رجال الدين من كل الأديان السماوية، أين أنتم؟

أين أنتم من الذين يتلطّون برداء الدين ليخرّبوا به المجتمعات، ويحكموا الناس باسم الله، ويغذّوا الانقسام والكراهية كي يبقوا سادةً على الخراب؟

أين دوركم في فضح هؤلاء الذين حوّلوا المنابر إلى ساحات تجهيل، وجعلوا من الدين وسيلة للهيمنة، لا رسالة للهداية؟

ثم أتوجّه إلى المفكرين والأكاديميين والمثقفين الذين ما زالوا متمسكين بالقيم الإنسانية…

أسألكم بصدق،ماذا تفعلون الآن في ظل هذه الفوضى الأخلاقية والإنسانية؟

ما هي خططكم لتقويم الأوضاع قبل أن تبتلعنا الموجة الأخيرة من الانهيار القيمي؟

كيف تسكتون والعقل يُقصى، والضمير يُسخّر، والإنسان يُختزل في سلعةٍ تُباع وتُشترى؟

لقد انقلبت المفاهيم حتى صار الالتزام بالقيم سمة “تخلّف”، وصار التمرّد على الأخلاق يُسمّى “حداثة”!

والنتيجة: مجتمعاتٌ تائهة بلا بوصلة، إنسانها فقد إحساسه بقداسته، وأمّته فقدت قدرتها على التمييز بين النور والزيف.

نحن بحاجة إلى نهضة فكرية دينية عالمية، تُعيد تعريف الإيمان بوصفه حرية ومسؤولية، لا تبعية وخوفًا.

نحتاج إلى من يعيد للإنسان وعيه بكرامته، وأن الله لا يُعبد بالظلم، ولا يُعرف بالكراهية، ولا يُمَجّد بالدماء.

الإصلاح لن يبدأ من السياسة، بل من الضمير الديني والفكري، من حيث نُعيد للدين نقاءه، وللإنسان قيمته، وللعقل سلطانه.

فالإيمان الحق لا يُقاس بالطقوس، بل بما يتركه في الأرض من عدلٍ ورحمةٍ وسلام.

اخترنا لك