بقلم كوثر شيا
@kchaya
في خطوة غير مسبوقة على صعيد حماية صحة المواطنين في لبنان، أصدر وزير الصحة العامة الدكتور نزار هاني قرارًا وزاريًا يقضي بتعليق مؤقت لنشاط إحدى شركات تعبئة المياه وسحب منتجاتها من الأسواق، بعد أن أظهرت نتائج الفحوص المخبرية وجود تلوث ببكتيريا “Pseudomonas aeruginosa” في عينات مأخوذة من السوق اللبناني.
هذه الإجراءات ليست عقوبة للشركة، بل هي إجراء وقائي ضروري لحماية المواطنين، وتعد مؤشرًا مهمًا على أن الحكومة بدأت تأخذ صحة الناس على محمل الجد لأول مرة بشكل رسمي وواضح. القرار يعكس التزام الوزارة بالمعايير العلمية والتوصيات العالمية في مجال سلامة الأغذية والمياه.
تحليل علمي للبكتيريا
بكتيريا “Pseudomonas aeruginosa” هي جرثومة هوائية سالبة الغرام، تُعرف بقدرتها على العيش في البيئات الرطبة والمياه، بما في ذلك مياه الشرب المعبأة. هذه البكتيريا تمتلك مقاومة طبيعية للعديد من المضادات الحيوية ولظروف معقمة جزئيًا، مما يجعلها مصدر قلق صحي في حال تلوث المياه. الإصابة بها غالبًا لا تظهر لدى الأفراد الأصحاء، لكنها قد تسبب التهابات خطيرة لدى الأطفال، وكبار السن، والمرضى ذوي المناعة الضعيفة، مثل التهابات الجهاز التنفسي، والتهابات المسالك البولية، والتهابات الجلد والجروح، وأحيانًا التسمم الدموي في الحالات الشديدة.
تنتقل العدوى عادة عن طريق الابتلاع أو التلامس المباشر مع المياه الملوثة. ومن الناحية المخبرية، يُعد اكتشاف أي نسبة من هذه البكتيريا في مياه الشرب مؤشر خطر صحي واضح، حتى لو كانت العينات الأخرى نظيفة، ولذلك تتبع الدول المتقدمة سياسة الصفر تسامحًا تجاه وجودها في المياه المخصصة للشرب.
كما أن تحاليل مثل العدد الكلي للكوليفورم، الإشريكية القولونية، والبكتيريا الهوائية تُستخدم كمعايير قياسية لتقييم جودة المياه والتأكد من خلوها من الملوثات الجرثومية.
من جهة أخرى، أظهر تقرير صادر عن معهد البحوث الصناعية (IRI) أن بعض العينات الخاصة بالشركة كانت مطابقة للمواصفات، مما يشير إلى أن التلوث ربما كان محصورًا بدفعات معينة. وهذا أمر طبيعي في مراقبة الجودة على مستوى العالم، حيث تُسحب المنتجات الملوثة على الفور لضمان سلامة المستهلكين.
إن هذا القرار يؤكد على أن جميع الشركات ملزمة بالامتثال للمعايير الصحية والتقنية، تمامًا كما يحدث في الدول التي تحرص على سلامة مواطنيها. ويشكل هذا نهجًا جديدًا في لبنان لتعزيز ثقافة الرقابة والالتزام الصحي، بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية.
في النهاية، يُظهر هذا الحدث أن الحكومة اللبنانية بدأت رسم مسارًا واضحًا لحماية الصحة العامة وضمان تطبيق القوانين بشكل عادل، ما يعزز الثقة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية، ويؤكد أن الصحة والوقاية هي الأولوية العليا.
وفي ضوء هذه الخطوة الإيجابية من وزارة الصحة، يمكننا اليوم أن نرفع صوتنا مطالبين وزير الزراعة بالإسهام في توفير مياه شرب نظيفة وآمنة مباشرة من صنابير منازلنا، ودعم سياسات الزراعة المستدامة التي تقلل الاعتماد على البلاستيك وتعزز الصحة العامة. إن التعاون بين وزارتي الصحة والزراعة هو الطريق لضمان بيئة صحية ومستقبل أفضل لكل اللبنانيين.
في الختام، لا داعي للذعر من اكتشاف بكتيريا “Pseudomonas aeruginosa” في مياه الشرب، فمعظم الأشخاص الأصحاء لن يتأثروا، لكن من المهم توخي الحذر خاصة للأطفال وكبار السن وذوي المناعة الضعيفة. يمكن حماية أنفسنا وعائلاتنا بسهولة عبر غلي الماء قبل الشرب أو الطهي، استخدام فلاتر مياه موثوقة، والحفاظ على نظافة الخزانات والأنابيب.
كما يُنصح بتغيير المياه المخزنة بانتظام ومتابعة التحذيرات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة. وفي حال ظهور أي أعراض مثل الحمى، الإسهال، التهابات الجلد أو مشاكل في البول أو التنفس، يجب مراجعة الطبيب فورًا.
هذه الإجراءات تمنحنا الاطمئنان والأمان الصحي، وتدعم الجهود الحكومية لحماية المواطنين، وتؤكد على أهمية مياه شرب نظيفة وآمنة تصل مباشرة إلى صنابير منازلنا بعيدًا عن البلاستيك، لضمان صحة جيدة للجميع.