بين الرسائل المبطّنة والإنذارات الصريحة : #واشنطن تُقفل باب التفاوض أمام “#حزب_الله”

بقلم بلال مهدي
@BilalMahdiii

تُعيد الأوساط الدبلوماسية في بيروت تداول معلومات لافتة عن رسالة غير مباشرة وجّهها “حزب الله” إلى واشنطن، عبر وسطاء إقليميين، يُفهم منها أنّ الحزب بات مستعدًا لبحث مصير سلاحه، في خطوة وُصفت بأنها تحوّل ناعم في الخطاب بعد سنوات من التشبّث العقائدي بمقولة “سلاح المقاومة خط أحمر”.

غير أنّ الردّ الأميركي، وفق المعطيات المتقاطعة، جاء أكثر حدّةً وصرامة، واضعًا حدًّا لأي وهمٍ بإمكانية فتح قناة تفاوض مباشرة بين الجانبين. الرسالة الأميركية حملت مضمونًا واضحًا، “حزب الله” أضاع ثلاث فرص تاريخية لترجمة التزامه بالدولة اللبنانية، ولن تُمنح له فرصة رابعة.

الفرصة الأولى كانت مع اتفاق الطائف الذي أسّس لمرحلة جديدة من التوازن الوطني بعد الحرب العبثية، لكن الحزب تعامل معه كـ”ورقة ظرفية” لا كاتفاق ملزم، مفضّلًا إبقاء سلاحه خارج منطق الدولة.

الفرصة الثانية جاءت مع القرار “1559” الصادر عن مجلس الأمن، الذي دعا إلى نزع سلاح الميليشيات اللبنانية، فواجهه الحزب بمزيد من التصلّب والتوسع الميداني تحت شعار “المقاومة”.

أما الثالثة، فتمثّلت في القرار “1701” الذي أنهى حرب تموز 2006، حيث أتاح للحزب فرصة لإعادة التموضع ضمن سلطة الدولة، إلا أنه سرعان ما أعاد الإمساك بالجنوب، محوّلًا المنطقة إلى جبهة دائمة التوتر مع العدو الإسرائيلي.

اليوم، وبعد سلسلة الإخفاقات اللبنانية في احتواء تمدّد الحزب داخل مفاصل الدولة، يبدو أن المعادلة تغيّرت بالكامل. واشنطن، التي كانت سابقًا تراهن على سياسة “الاحتواء الدبلوماسي”، باتت تتعامل مع المسألة كـ ملف أمني قابل للتنفيذ بالقوّة، لا كموضوع حوار داخلي.

فالمقاربة الأميركية الجديدة، وفق مصادر مطّلعة، تستند إلى فرضية أنّ “حزب الله” لم يعد عنصر استقرار داخلي كما كان يُروَّج، بل أصبح عامل تعطيل لبنية الدولة اللبنانية ومصدر تهديد مباشر للتوازن الإقليمي، خصوصًا في ضوء التحولات الجارية على خط “غزة، بيروت، دمشق، طهران”.

اللافت في هذا التطور أنّ الحزب اختار توقيته بدقّة، مستندًا إلى تجربة حركة “حماس” في غزة، التي انتقلت من موقع المواجهة إلى طاولة التفاوض غير المباشر. إلا أنّ الفارق الجوهري بين الحالتين، كما تراه واشنطن، يكمن في أنّ “حماس” تمثل كيانًا محليًا داخل أرض محاصرة، بينما “حزب الله” هو تنظيم عابر للحدود يخضع لهيكلية إيرانية، ما يجعل أي تفاوض مباشر معه اعترافًا سياسيًا بشرعيته المستقلة عن الدولة اللبنانية، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة رفضًا قاطعًا.

بناءً على ذلك، تبدو المرحلة المقبلة أكثر حساسية من أي وقت مضى. فالمعادلة الثنائية التي تطرحها واشنطن “تسليم السلاح طوعًا أو نزعُه بالقوّة” تحمل في طيّاتها إنذارًا استراتيجيًا بأنّ مرحلة “التغاضي الدولي” عن فائض نفوذ الحزب قد انتهت.

ولعلّ السؤال الأهم الآن، هل يقرأ “حزب الله” هذه الرسالة بما يكفي من الواقعية السياسية، أم يذهب مجددًا إلى خيار التصعيد الذي قد يفتح الباب أمام مواجهة وجودية تُهدّد ما تبقّى من الكيان اللبناني؟

في كلّ الأحوال، بات من الواضح أنّ زمن المواربة انتهى، وأنّ لبنان يقف أمام مفترق مصيريّ، إما أن يُعيد تموضعه ضمن الدولة الواحدة ذات القرار الواحد، أو أن يُترك لمعادلة دولية لا تعترف إلا بلغة القوة والالتزامات المُنفّذة على الأرض.

اخترنا لك