بقلم سعيد مالك
لوّح الرئيس برّي بِعَدَم تمرير موازنة العام 2026 في المجلس النيابي، في حال لم تتضمّن بندًا يتعلّق بإعادة إعمار المناطق التي دمّرها العدوان الإسرائيلي على لبنان.
ولا أعتقد أن الرئيس برّي غاب عن باله، أن الدستور مَنَحَ الموازنة موقعًا استثنائيًا نظرًا لأهمّيتها، فنصّ في المادة 32 منه على تخصيص جلسات العقد الثاني لمجلس النوّاب للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كلّ عمل آخر. من ثمّ ذَهَبَ أبعد من ذلك في إعطاء الأولويّة للموازنة على ما عداها. فجاء في المادة 86 من الدستور أنه إذا لم يبتّ مجلس النواب في الموازنة نهاية العام، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فورًا لعقد استثنائيّ يستمرّ لغاية نهاية شهر كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة. تحت طائلة إصدار الموازنة بمرسوم (قرار المجلس الدستوري رقم 2/2018 تاريخ 14/5/2018).
وبالتالي، لا يحق لرئيس مجلس النواب التلويح بعدم إقرار الموازنة. لأن إقرارها موجب دستوري. وعدم إقرارها يسمح في إصدارها بمرسوم يصدر عن رئيس الدولة.
هذا مِن جهة، ومِن جهةٍ أُخرى، مِن الثابت أن إقرار الموازنة أم ردّها، هو مِن صلاحية الهيئة العامة وليس شخص رئيس مجلس النواب على الإطلاق. بالتالي، كان يقتضي على رئيس المجلس التلويح بصلاحيّةٍ يمتلكها، لا أن يستعرض بصلاحية تخُصّ الهيئة العامة. فالمادة 86 من الدستور أَوْلَت صلاحية البت بمشروع الموازنة للمجلس النيابي وليس لرئيس المجلس النيابي. فكفى استعراضًا ومُصادرةً لصلاحيات المجلس.
والأدهى مِن كلّ ذلك، أن رئيس مجلس النواب يُلوّح بعدم تمرير الموازنة في المجلس النيابي، في حال عدم تضمينها بندًا يتعلّق بإعادة الإعمار… كذا… متى؟؟؟.
بعد أن أُقِرّ مشروع الموازنة في الحكومة وأُحيلَ إلى مجلس النواب للمُناقشة والإقرار.
فالمادة 84 من الدستور، معطوفة على المادة 19 من قانون المحاسبة العمومية، تنُصّان على عدم جواز إدخال إضافة لأي اعتمادات مِن قِبَل المجلس النيابي خلال المُناقشة، إلّا بعد أخذ رأي وزارة المالية الخطّي وموافقة مجلس الوزراء، بعد تأمين الواردات.
ويبقى السؤال، لماذا انتظر الرئيس برّي إلى ما بعد إقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء، وإحالتها إلى مجلس النواب، حتى يُثير هذه الزوبعة؟ وهو يُدرِك أن مجلس النواب ليس باستطاعته إضافة أي اعتماد أم زيادة على مشروع الموازنة، عملًا بأحكام المادة 84 من الدستور.
كلّ ذلك لنؤكّد أن الرئيس برّي يُدرِك حقيقة ماليّة الدولة، وعدم قدرتها على تمويل إعادة الإعمار. إنما عليه لمُداراة شارعه وبيئته، إطلاق هذه المواقف من الموازنة. وهو مُدرِكٌ أنها مواقف مجّانية ودِعائية لا يُمكِن صرفها بِمكان.
ولو كان الرئيس برّي صادِقًا وجدّيًا بتلويحه، لماذا لم يُوعِز أقلّه إلى وزرائه في الحكومة، ومنهم معالي وزير المال، لِعدم التصويت والمُصادقة على مشروع الموازنة، ما لم تتضمّن بندًا يتعلّق بإعادة الإعمار؟
فالموازنة يجب أن تُقرّ ضمن المهل المُحدّدة. أي قبل نهاية هذا العام، وبحدّ أقصى نهاية شهر كانون الثاني من العام المُقبل. وإلّا يُصبِح مِن حق رئيس الجمهورية إصدارها بمرسوم، بعد موافقة مجلس الوزراء.
بالخُلاصة، الموازنة تمرّ عبر بوّابة البرلمان وليس عبر بوّابة عين التينة. والتلويح بعدم تمرير الموازنة ما لم تتضمّن بندًا….كذا…. لا يستقيم. علمًا، أن عدم إقرار الموازنة وعرقلتها له انعكاسات سلبيّة جدًّا على الدولة، ويؤدّي إلى فوضى في المالية العامة. حتى أن الدستور أجاز حلّ مجلس النوّاب في حال ردّه الموازنة برمّتها بِقصد شلّ يد الحكومة عن العمل (البند الرابع من أحكام المادة 65 من الدستور).