بقلم مروان الأمين
@m_elamine
من قمة الرياض إلى قمة شرم الشيخ، يتشكل مشهد إقليمي جديد عنوانه الاستقرار والازدهار والسلام. مشهد يُعيد ترتيب الأوراق في المنطقة على أساس معادلة واضحة لا لبس فيها وهي حصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية، واتخاذ قرارات جريئة على طريق السلام مع إسرائيل.
في لبنان، على الرغم من أن مواقف الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام حيال مسألة حصر السلاح تصب في هذا الاتجاه، إلا أن الخطوات التنفيذية لا تزال دون المستوى المطلوب. لذلك، نجد لبنان خارج مشهد الاجتماعات واللقاءات التي تُرسم فيها ملامح مستقبل المنطقة.
صحيح أن موقف الرئيس عون بشأن التفاوض مع إسرائيل لحل الملفات العالقة يُعتبر خطوة إيجابية، لكنه أيضًا غير كافٍ.
آن أوان كسر المحرمات السياسية التي رسخها نظام حافظ الأسد في سلوك الطبقة السياسية اللبنانية، ولا يزال الكثيرون متمسّكين بها، وتقوم على:
أولًا، منع التفاوض المباشر بين مسؤولين لبنانيين ونظرائهم الإسرائيليين، بينما الذاكرة ما زالت تحتفظ بصورة وزير خارجية نظام الأسد فاروق الشرع يتنزه في “كامپ ديفيد” برفقة رئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك.
ثانيًا، حصر الموقف اللبناني في العودة إلى “اتفاق هدنة” لا الذهاب إلى اتفاق سلام. هنا لا بد من سؤال: هل هذا الموقف يُعبّر عن مصلحة لبنانية، أم هو موقف إيديولوجي لا يأخذ بالاعتبار المصلحة اللبنانية؟
ثالثًا، ترداد شعار “لبنان آخر دول عربية يوقع اتفاق سلام مع إسرائيل”، هذا الشعار فرضه حافظ الأسد بهدف إبقاء لبنان ورقة يستخدمها في مفاوضاته، لكن اليوم أين مصلحة لبنان في ذلك؟
المطلوب اليوم تحطيم هذه الأوثان السياسية البالية ومواكبة التحولات الإقليمية التي تفتح نافذة جديدة للسلام والاستقرار. يجب أن تُقدَّم مصلحة لبنان على كل حسابات وموروثات عقيمة تراكمت لعقودٍ، وجعلت من بلدنا ساحة لتحقيق مصالح دول ومشاريع خارجية على حساب اللبنانيين.
قد يسأل سائل: هل يمكن الدخول في مفاوضات مباشرة والحديث عن سلام، بينما إسرائيل مستمرة في اغتيال عناصر “حزب الله”، والاحتفاظ بالأسرى، واحتلال أراضٍ لبنانية؟
الجواب، ببساطة وواقعية: نعم، وبسبب كل ذلك تحديدًا. لو كنا نعيش في زمن استقرارٍ وازدهارٍ، لما كان ثمة استعجال للذهاب نحو مفاوضات أو بحثٍ عن اتفاق سلام. لكن الواقع مختلف تمامًا اليوم، فالمصلحة اللبنانية، ولا سيما مصلحة الشيعة والجنوبيين، تقتضي الشروع في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لحل النقاط الخلافية والدخول في مسار اتفاق سلام. السلام ليس ترفًا سياسيًا أو رفاهية نظرية، بل ضرورة وطنية لإنهاء حالة الحرب، ووقف نزيف الدم ودوّامة الدمار، وفتح الطريق أمام ورشة إعادة الإعمار وعودة آمنة للجنوبيين إلى قراهم وبلداتهم.
لبنان لم يعد يملك ترف الوقت، ولا يحتمل مزيدًا من الدوران في حلقة الشعارات المستهلكة والمحرمات الخشبية. إن المصلحة الوطنية وحدها يجب أن تكون البوصلة، في لحظةٍ تتبدّل فيها خرائط المنطقة وتتسارع التحولات على نحوٍ غير مسبوق.
نحن اليوم أمام منعطف تاريخي، إما أن نتحلى بالشجاعة لنكون جزءًا من المستقبل، أو نظلّ أسرى الماضي بكل تناقضاته ومآسيه. فمصير الأوطان لا تصنعه الأصوات المزايدة، بل الشجعان الذين يواجهون الواقع بإرادةٍ ووعيٍ ومسؤولية.
التردد في مثل هذه المرحلة لا يُحتسب حذرًا، بل يُعَدّ تخاذلًا، خصوصًا حين تكون الأكلاف التي يدفعها اللبنانيون – بشريًا وعمرانيًا واقتصاديًا – بهذا الحجم. إنها ساعة القرار، والقرار يحتاج إلى جرأة الرجال الذين يصنعون