“#حزب_اللّه” اليوم : ثلاث آليّات عمل

بقلم هشام بو ناصيف

بسلسلة جرائم “حزب اللّه” الطويلة بحق اللبنانيّين، عندي أن أخطرها على الإطلاق هي جرّهم لمواجهة كالمواجهة الدائرة منذ سنتين، بغض النظر عمّا إذا كانوا موافقين على خوضها أم لا. وضع بلادنا المنهكة كارثيّ، والأفق إلى الساعة مقفل. من أعطى “حزب اللّه” وكالة تخوّله جرّنا إلى هنا؟ بأيّ حق فتح حسن نصراللّه حرب الإسناد التي ورّطت كلّ لبنان، علمًا أنه لم يكن يومًا سوى زعيم فصيل من فصائله؟ وباسم من يتابع نعيم قاسم مسار سلفه بعد كلّ ما جرى ويجري؟

أسئلة بديهيّة. تقديري أن “الحزب” لا يزعج نفسه بها، لأن الوعي الديني الذي يحرّكه متخفف منها. والحال أن واحدنا لا يستطيع أن يدخل بأيّ نقاش مع أنصار “الحزب” (أو حركة حماس) على مواقع التواصل، دون أن تحضر فورًا حجّة أن “الشرائع السماويّة” تجيز المقاومة، وأن اليهود يحتلّون أراضي المسلمين، والجهاد تاليًا فرض عين عليهم، وما شاكل. ماذا عن غير المسلمين الذين لا يفكّرون وفق هذه الأسس؟ ماذا، أيضًا، عن المسلمين الذين يفهمون الإسلام بطريقة مغايرة؟ ماذا، أخيرًا، لو أن الفئتين تشكّلان غالبيّة المجتمع بلبنان، وربّما بفلسطين نفسها؟ الجواب جاهز بردّ يحضر بدل المرّة ألفًا: من لا يعجبه ما نفعل، فليرحل.

التخفف من الحاجة لوكالة شعبيّة قبل خوض مغامرات تورّط لبنان كلّه، وليس فقط القواعد الحزبيّة المباشرة المرتبطة به، آليّة عمل “حزب اللّه” الأولى. أمّا آليّة العمل الثانية، فاستخدام التحريض وبث الكراهية بالمجتمع لتسطيح وعيه. ومن يتابع أبواق “حزب اللّه” مؤخرًا، سينتبه أن خطابها مستنفر ضدّ القوى المعادية لها بلبنان، وخصوصًا المسيحيّة منها، أكثر ممّا هو مستنفر ضدّ إسرائيل. ليس الأمر صدفة. ذلك أن “البهورة” على إسرائيل باتت ورقة محروقة. استطرادًا، بقدر ما تتحرّك الكراهية الشيعيّة ضدّ المكوّن المسيحي، بقدر ما ينسى الشيعة طرح الأسئلة الأساسيّة التي يفترض أن يوجّهوها لـ “حزب اللّه”، من نوع: علي أيّ أساس وعدتمونا أنّ إسرائيل “أوهن من بيت العنكبوت”؟ وأين صار المئة ألف مقاتل الذين قال عنهم حسن نصراللّه إنهم لو حملوا على الجبال أزاحوها؟ ولماذا بنيتم مئات الأنفاق للمقاتلين، ولم تبنوا ملجأ واحدًا للمدنيّين؟ كلّ هذه الأسئلة شرعيّة. الشيعة بشكل عام لن يطرحوها لأن آلة الضخ الإعلاميّة التابعة لـ “الحزب” تشغلهم كلّ يوم بسجال جديد مع “صهاينة الداخل”. من نافل القول إن كلّ هذا يخلق شرخًا بين اللبنانيّين يصعب رأبه. ولكنّ “حزب اللّه” لا يزدهر إلّا كنبتة سامّة تنمو فوق ركام مجتمع منكوب بأحقاد حرب أهليّة يريدها “الحزب” له دائمة.

أمّا آليّة العمل الثالثة، فالتقيّة، والتمسكن ساعة الضعف للتمكّن بعدها. ومن يتابع بيانات “حزب اللّه” مؤخرًا يظن أنه انقلب حركة قوميّة لبنانيّة من كثرة التأكيد أنه يدافع عن أرض الوطن، وأن الجميع مستهدف، وأن الوحدة الوطنيّة ضروريّة. وبكلّ مرّة أقرأ بيانًا لـ “الحزب” يهيب باللبنانيّين أن اتحدوا، أسأل نفسي أين كانت هذه العاطفة الجيّاشة تجاههم يوم صارت الاغتيالات السياسيّة طريقة عاديّة للتعاطي مع كلّ معترض على السلاح الشيعي، ومحرّكيه الإيرانيّين والسوريّين، من رمزي عيراني، الشهيد الأوّل لثورة الأرز، إلى لقمان سليم، مرورًا بعشرات قضوا زمن عز “الحزب” بالساحة اللبنانيّة؟ من نافل القول، إن من انحاز البارحة للاحتلال السوري للبنان، وعاون آل الأسد على ذبح السنة بسوريا، وتخصّص في اغتيال الأخصام، والهجوم على بيروت، والجبل، والطيّونة، هو آخر من يحق له اليوم الاستنجاد بـ “الوحدة الوطنيّة”. ثمّ إن من تباهى علنًا بأن سلاحه وأمواله من إيران، ومن أقسم الولاء لقائد أجنبي هو “الوليّ الفقيه”، لا يستطيع اليوم أن يرتدي لحاف الوطنيّة اللبنانيّة، ويكون يعني ما يقول.

بلى، هذه آليّات عمل “الحزب”: تخفف من الحاجة للوقوف عند رأي اللبنانيّين قبل زجّهم بمعاركه؛ وتحفيز الشحن الطائفي للتعمية عن خسارته لها؛ والتقيّة. كلّ واحدة من آليّات العمل هذه كفيلة بتخريب لبنان. استعمالها كلّها معًا كفيل بتخريبه، ثمّ منع تعافيه. أمّا كيف يقترف “الحزب” كلّ هذا بدعم تيّار شيعي جارف، وتستمرّ البيئة المسيحيّة مع ذلك عالقة بولدنتها الفكريّة المستدامة، وسرديّات “حوار الأديان”، ولبنان “رسالة حريّة”، و “تطبيق الطائف هو الحلّ”، فأحجيّة أعجز عن فكّ طلاسمها.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com