لم تكن ١٧ تشرين مجرّد انتفاضة، بل نبضة وطن عاش على الأمل ومات على الحقيقة
–
بقلم كوثر شيا
@kchaya
في مثل هذا اليوم، قبل ستّ سنوات، اشتعلت قلوب اللبنانيين قبل الشوارع.
كنتُ واحدة من أول الوجوه في الساحات، بين الناس، بين الوجع والأمل.
ثمانية أشهر من الغليان، من الهتاف والدموع، من أصوات تشبه الوطن قبل أن يُكسر صوته.
تحت المطر، كنا نغنّي للبنان الحلم، للوطن اللي بيشبهنا… لا للسلطة اللي خانتنا.
واليوم، بعد كل هذا الوقت، أعود إلى تلك اللحظة التي كسرت الصمت وفتحت باب الوعي… وأسأل نفسي: هل مات الحلم، أم نحن من تركناه يموت؟
أين صارت الثورة؟ أين أحلام الشباب الذين حلموا بالعدالة، بالكرامة، بالبلد النظيف من الفساد؟
أين “استعادة الأموال المنهوبة”؟ أين “القضاء المستقل”؟ أين الوجع الذي جمعنا قبل أن يفرّقنا الخوف؟
كنا نحلم بوطن ينهض، فاستيقظنا على وطنٍ ينهب.
قالوا إن الثورة استُغلّت، وإن “الطابور الخامس” أفلس البلد… لكن من أفلسنا فعلًا؟ من سرق عمرنا قبل 17 تشرين؟ من جعل الكرامة تُشترى وتُباع كأي سلعة في سوق الزعماء؟
أتذكّر جيّدًا حين كان خطاب نصرالله يُبَثّ مباشرة في ساحة الشهداء، وكيف كانت بعض الوجوه الغريبة تتحرك بيننا بأجهزة لاسلكي، تغلق الطرقات، تكسر العدادات وواجهات المصارف، وتشعل فوضى مدروسة في أجمل عاصمة عربية.
كنتُ أرى وأصمت… كنتُ أخاف أن يختطفوا حلمنا كما اختطفوا الوطن.
وحين انفجرت بيروت، لم ينفجر المرفأ وحده… انفجرت قلوبنا معه.
ورأيت بأمّ عيني من شمت، من فرح، من تاجر بالوجع، ومن باع الوطن بحفنة تصريحات على شاشات ممولة.
يا ليتنا عرفنا قيمة كل حبّة تراب من هالبلد قبل ما يضيع بين الحقد والجهل والانقسام.
اليوم، بعد كل الحروب والأزمات، ما زلنا نختلف على قنينة “تنورين” ملوّثة أو لا، لأننا ببساطة نسينا الحقيقة: مشكلتنا مش بالماء… مشكلتنا بالعقول العطشى للوعي.
السياسة صارت مثل “نسوان الفرن” — يحكوا ضد بعض، وبالعلن بيتصالحوا باسم “العيش المشترك”.
يا خي وين المواطن؟ وين المواطنة؟ وين الدولة اللي بتحترم شعبها إذا الشعب نفسه ما بيحترمها إلا على قياس حزبه؟
البلد مسحور، والشعب غاشي وماشي، والسياسة صارت مهنة من لا مهنة له.
بس رغم كل شي… الثورة ما ماتت.
الثورة تغيّرت. كبرت. صارت تعرف إن التغيير ما بينكتب بشعار… بينزرع بتعب.
اليوم في وزارات وبلديات عم تحاول تشتغل رغم شحّ الموارد، في ناس بعد عندها ضمير، بتخاف الله والناس.
مش لأن الثورة خلقتهم، بل لأنها أيقظت فيهم الخوف من المحاسبة.
الثورة ما خلّصت البلد، لكنها خلّت الفاسد يعرف إنو في عيون عم تراقب.
خلّت الانتخابات تصير ساحة مواجهة. شفنا 13 نائب تغييري، تمنّينا يكونوا يد وحدة، منصة للشباب يلي تعبوا بالساحات… بس تفرّقوا، وضاعت البوصلة بين المستقل والمُستغل.
صارت الثورة ماركة انتخابية، شعار على يافطة، بدل ما تكون مشروع وطن.
لكن، الحقيقة؟
الثورة ما فشلت، نحنا يلي تعبنا منها قبل ما تكتمل.
نسينا إن الثورة مش إسقاط نظام… الثورة إعادة بناء إنسان.
اليوم، لبنان على مفترق طرق.
لأول مرة، في رئاسة عم تحاول، حكومة فيها كفاءات حقيقية، وزراء يشتغلوا من ضميرهم.
بس بدنا أكتر — بدنا جيل جديد، شباب عنده فكر، نساء ورجال عندهم شغف بالتغيير الحقيقي.
بدنا برلمان يُشبهنا، لا برلمان وراثي من الماضي.
الثورة ربحت لأنها غيّرتنا من الداخل، حتى لو بعد ما غيّرت الواقع.
رح نضل نكتب، نذكّر، نحاسب، ونحبّ لبنان رغم كل شيء.
لبنان ما بيستاهل اللي صار فيه… بس بيستحق ناس ترجع تآمن فيه من جديد.