#التفاوضُ مع #العدوّ… استعادةٌ للحقوق أم شرعنةٌ للتنازل؟

بقلم د. ليون سيوفي – باحثٌ وكاتبٌ سياسيّ

في زمنٍ تُختصرُ فيه السيادةُ على طاولةٍ دوليّة، وتُقاسُ الكرامةُ بمساحةِ حقلٍ نفطيٍّ في البحر، هناك من يُبشِّر بأنّ التفاوضَ مع إسرائيل “فرصةٌ للإنقاذ”، وكأنّ الوطنَ يُبنى على التنازلاتِ لا على الثوابت.

يقولون إنّ الحوارَ يفتحُ بابَ الاستقرار، وإنّ التفاهمَ على الحدودِ البحريّة يُعيدُ الثقةَ بلبنان، لكنّ الحقيقةَ المرّة أنّ من يفاوضُ من موقعِ الضعف، يُقدِّمُ وطنَهُ على مائدةِ المقايضة.

لقد كان ملفُّ “كاريش” المثلَ الأوضح، إذ تنازلَ لبنان عن الخطِّ 29 واكتفى بخطٍّ أدنى، فخسرَ مساحةً من مياههِ الإقليميّة، ثمّ قيلَ لنا إنّه “إنجازٌ تاريخيّ”!
فهل يُقاسُ الإنجازُ بما نخسرهُ أم بما نحميه؟

اليوم، يُعادُ فتحُ الحديثِ عن “مفاوضاتٍ جديدة” مع العدوّ تحت عناوينٍ مُلتبسةٍ كـ “استكمالِ الترسيم” أو “تحديدِ المناطقِ المتداخلة”، لكنّ الخطرَ الأكبر يكمنُ في أنّ كلَّ خطوةٍ تفاوضيّةٍ غيرِ مُحصَّنةٍ بموقفٍ وطنيٍّ موحَّد، تُمهّدُ لتنازلٍ جديد.

فمن يتقدَّمُ إلى التفاوضِ من دونِ رؤيةٍ سياديّةٍ صلبة، لن يحصدَ إلّا مزيداً من التآكلِ في الحقِّ والهيبة.
فإسرائيل، في جوهرِ سياستِها، لا تسعى إلى “سلامٍ عادل”، بل إلى تهدئةٍ تُكرِّسُ مكاسبَها في الجنوب وتمنحُها الأمانَ لحقول الغاز، مقابلَ فتاتِ وعودٍ اقتصاديةٍ تُرمى للبنان المنهك، ليبدو وكأنّه ربحَ شيئاً فيما خسرَ الكثير.

إنّ التفاوضَ ليس عيباً بحدِّ ذاته، لكنّ العيبَ أن نفاوضَ ونحنُ منقسمون، ضعفاء، متردِّدون في تعريفِ حقوقِنا، أو أن نذهبَ إلى الطاولةِ لأنّ العالمَ يريدُ لا لأنّ مصلحتَنا تقتضي.
فالوطنُ لا يُستعادُ بالمحاضرِ والابتسامات، بل بالتوازنِ والكرامةِ الوطنيّة، وبموقفٍ واحدٍ يقولُ…لا تفاوضَ على ما هو حقّ،ولا سلامَ على حسابِ السيادة.

إنّ السيادةَ لا تُمنَحُ بالمفاوضات، بل تُصانُ بالقوّة، وتُثبَّتُ بالموقف، وتُخلَّدُ بالكرامة.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com