بقلم عقل العويط
ومرّةً جديدةً، كهذه المرّة، قالت المرأةُ أنا خائبةٌ من العهد لأنّ وعوده أعظم من أفعاله، ولأنّ “الدولة العميقة” أقوى منه، وهو يطاوعها، وخائبةٌ طبعًا من المماطلة والتذاكي، من الدوران في الحلقة المفرغة، ومن قراصنة الطبقة السياسيّة، وخائبةٌ من لبنان السياسيّ، ووسائل التغيير، وقوى التغيير، وأويّد رئيس الحكومة، ولو استطعتُ – بالقوّة الفلسفيّة وبالشعر – لوضعتُ لبنان هذا تحت ما يشبه “الفصل السابع” (من دون أنْ يكون إيّاه)، لكنْ محرَّرًا من وصاية النير الانتدابيّ، ومن صفقات مجلس الأمن والأمم وترامب ونتنياهو وخامنئي وبوتين وأوروبا وبكين، ومن الشرق والغرب والعجم، ولبنان هذا محرَّرًا من جماعاته المريضة، هائمًا حيث فقط يكون الشعر والجمال والحرّيّة.
وتلك المرأة تطلب المستحيل، ولبنان كغيمةٍ تشتهي أنْ تمطر، وعندما تمطر، تضيّع الطريق إلى التراب، إلى الأرض، وتضيّع الطريق إلى الذات، والذات.
وهي، كما أنا، كمستحيلٍ لن ييأس من الأمل، ومن المستحيل!
وفي هذا الخريف، وفي كلّ خريف، زيتوننا نريده لنا، ونريد أرضنا لنا، وبلادنا، ونذور عشّاقنا، وموتنا نريده لنا.
وآنَ لا يبقى سوى ما يُعتدّ به، وما يبقى بعد الذكريات والمقابر وركامات البيوت، فهذه نريدها لنا، ونريد ظلالنا لنا، ولن نحبّ إلّا مَن نحبّ، وإذا لسببٍ ستتغيّر أحوالنا، فسنحبّ السلام، وسنظلّ نحبّ مَن نحبّهم، وسنظلّ لن نحبّ مَن لا نحبّهم، وبأسلوب صديقي الشاعر محمود، لن ندعوهم إلى أرغفتنا وموائدنا وصحون طبيخنا، وسنظلّ لن ندعوهم إلى أفراحنا وأحزاننا، ولن، ولن، ولن نخرج معهم إلى وعودنا ومواعيدنا، ولا إلى وجودهم ووجودنا.
وكما في كلّ خريفٍ وخريف، نولد أحرارًا وشعراء، وكالشجر ننمو عراةً وأطفالًا، ونرتدي عندما نكبر، قمصانَ قلوبنا وإيقاعَ المدن والأنهار وأشعارنا.
وآنَ لن يبقى الكثير، سيظلّ يبقى لنا الشعر، ورغبة انتظار الشمس عند المغيب، وما يكون عليه الفجر كلّما استفاق ضوءٌ بعد موتٍ غفير.
وعندما سنُسأل ماذا تطلبون من الحياة، فسيكون جوابنا أنّنا لن نطلب إلّا الحياة، إلّا الحياة، من أجل أنْ نحياها، حياتنا، كما يليق بالعيش أنْ يُعاش، وبالموت، وبالحياة.
وسألتني امرأةٌ ماذا أريد، قلتُ منحةً أدبيّةً مجّانيّةً للسفر، للكتابة، أو أربح يانصيب اللوتو. قالت لأيّ سببٍ، قلتُ لأصرف المال الذي سيكون لي، محرَّرًا من أيّ دَينٍ واستحقاقٍ وغاية. قالت ما الفائدة، قلتُ لذّةَ أنْ أشعر بأنّ في جيبي مالًا، وفي مقدوري أنْ أصرفه كما أريد. قالت وماذا تريد، قلتُ أنْ لا أقلق في أوّل الشهر، في منتصف الشهر، في آخر الشهر، كما في كلّ أيّام الشهر، وإذا كانت الجائزة محترمة، أسافر بها إلى باريس، إلى روما، إلى بلاد النورماندي، إلى توسكانا، إلى البندقيّة، وصقلّية، إلى البحر في الزمهرير، فأستعيد بعضًا من حياةٍ مسروقة، ورأسٍ مسروق، وقلبًا يريد أنْ يسافر في مقهى، في قطار، في قصيدة.
وسألتني المرأة إيّاها، قلتُ أنْ أكون حرًّا من الكائن الذي أنا، لثلاثة أشهر، لأربعة أشهر، لأكثر، أو لا، فأعيش ما ليس في مقدوري أنْ أعيشه، حيث أنا الآن لا أعيش، وأكتب. قالت المرأة ماذا تريد أنْ تعيش، وماذا تريد أنْ تكتب، قلتُ لا أعرف، لا أعرف ماذا سأعيش ماذا سأكتب. لكنّي أريد فقط أنْ أظلّ لا أعرف ماذا أعيش وماذا أكتب.
وأنا سألتُ المرأةَ أنْ تسرقني، وكمستحيلٍ يراود المستحيل، وأنتِ هل تعرفين هل تعرفين؟!