يوم انتفض الشعب… واخترقت المنظومة ودفن المتسلقون الأحلام!

بقلم محمد عبدالله

في السابع عشر من تشرين الأول عام 2019، دوّى صوت الشارع اللبناني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. خرج الناس إلى الطرق بلا راعٍ، بلا حزب، بلا زعيم. خرجوا بدافعٍ فطري من الغضب والقهر. كانت الشرارة فاتورة هاتف، لكنها كشفت فتيل وجعٍ متراكم منذ عقود.

انتفض الشعب، واهتزت المنظومة السياسية التي ظنّت نفسها خالدة. سقطت الأقنعة، وتعرّت الطبقة الحاكمة أمام غضبٍ شعبي غير مسبوق. لأيامٍ معدودة، بدا كأن لبنان يكتب فصلاً جديداً من تاريخه، فصل الوعي والحلم بدولة القانون والمواطنة.

لكن المنظومة ما لبثت أن استعادت أنفاسها. دخلت الثورة في دوّامة الاختراقات، حين تسلّل إليها من يجيدون ركوب الموجة. رفع المتسلّقون الشعارات ذاتها، وارتدوا ثوب الثورة، لكنهم كانوا يحملون في جيوبهم ولاءاتٍ حزبية وحساباتٍ شخصية.

تحوّل الميدان شيئاً فشيئاً ساحة ينازعها النفوذ، بدل أن يبقى مساحة تحرّر.

انقسم الثوار، وتشظّت الصفوف، وتقدّم من الصفوف من كان يبيع الكلام ويشتري الأضواء، مدعوماً بجهاتٍ تمويلية تقف خلفها وحوش المنظومة المتجذّرة!

لم تكن 17 تشرين أول انتفاضة شعبية، لكنها كانت الأكثر صخباً وشمولاً في بعدها الوطني والطائفي، قبل أن يعود البعض سريعاً إلى قواعده المذهبية الضيقة.

هي حلقة في مسارٍ تراكمي بدأ بقسم الشهيد جبران تويني “مسلمين ومسيحيين…الى أبد الآبدين…. من أجل لبنان العظيم” في 14 آذار 2005، مروراً بانتفاضة رفض التمديد عام 2013، ثم انتفاضة “النفايات” عام 2015، وصولاً إلى الانهيار الكبير وبزوغ ثورة تشرين 2019.

ثلاث محطات رئيسية سبقت تشرين، وفي كل مرة كانت المنظومة السياسية – بتشعب مصالحها – تتسلّل إلى داخل الانتفاضة لتخترقها، وتجهضها من الداخل.

أما في انتخابات 2022، فقد ظنّ كثيرون أن الشعب انتصر على المنظومة عبر صناديق الاقتراع، لكن سرعان ما تبيّن أن بعض الخيارات التعبيرية لم يكن على مستوى الآمال.

خبا الغضب تحت وطأة الإحباط، واستعادت المنظومة موقعها القديم، بل خرجت أقوى من ذي قبل. تحالفت ضد الشعب بذكاء ودهاء، فحوّلت الثورة من تهديدٍ حقيقي إلى ذكرى سنوية تُستحضر بالشعارات.

وهكذا، دُفنت الأحلام تحت ركام الانقسامات، وتُركت الآمال معلّقة على زمنٍ آخر.

لكن رغم الخيبة، يبقى السابع عشر من تشرين علامةً فارقة في الوعي الوطني. فذلك اليوم، مهما غُيّب، سيظل شاهداً على لحظةٍ نادرة توحّد فيها اللبنانيون خارج الطوائف والمصالح يومها، أدرك الشعب أنه أقوى من زعمائه، وأن الخلاص لا يأتي من فوق، بل من الناس أنفسهم.

وسيبقى هذا الشعب، رغم الجروح، مصرّاً على المضيّ قدماً في تصحيح خياراته، وإسقاط المتسلّقين والمنافقين الذين دمّروا أحلامه لأجل كرسيٍ أو منصبٍ أو نفوذ.

فمن رحم الألم يولد الأمل، ومن رماد الخيبة تُصاغ الدولة القوية العادلة لأبنائها جميعاً.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com