القذاذفة يهدّدون والقضاء بين الكفالة والفدية

بقلم أحمد الأيوبي

شكّل الاحتجاز عبر الاختطاف لهنيبعل القذافي نموذجًا إضافيًا لعجائب القضاء اللبناني ولقدرة السياسة على التأثير في المسارات والأحكام، والأهمّ في ضرب حقوق الإنسان عندما تقع على المستهدَفين لعنة قرار الخنق والسجن، وهذا ليس جديدًا، وإن تعدّدت الطرق والأساليب، ولعلّ أشهرها ما نال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من سجن وحلّ للقوات، بالإضافة إلى مئات السجناء الموقوفين بتهم الإرهاب والذين يعانون من غياب العدالة ومن تسلّط “الثنائي الشيعي” على قضاء فقد رمزيته والكثير من مصداقيته تحت وطأة التغوّل السياسي.

بعد اختطافه من سوريا على طريقة العصابات، وبوسيلة غير قانونية، أوقف بعضُ القضاء اللبناني هنيبعل معمر القذافي تحت ذريعة صلته بإخفاء أو اغتيال الإمام موسى الصدر، فبقي منذ العام 2015 في السجن بدون محاكمة تعرّض خلالها لسوء المعاملة مما أدّى إلى تدهور وضعه الصحي، وقد بلغ اليوم ما يقارب السنوات العشر في هذا الاختطاف الذي غطاه الرئيس نبيه بري لحسابات معقدة ومتداخلة، ليس بينها بالتأكيد طلب العدالة للإمام الصدر، لأنّ الجميع يعرف أنّ هنيبعل كان عمره سنتين أو ثلاثاً عند وقوع تلك الحادثة الغامضة، كما أنه لم يكن ذا صلة بالشأن السياسي في بلده لاحقًا.

وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن يقبل القضاء استلام وتوقيف شخص جرى اختطافه من سوريا وإدخاله إلى لبنان بطريقة غير شرعية، أي على طريقة العصابات… وكيف يمكن وصف تعاون قضائنا أو بعضه مع مافيات الخطف لاستلام هنيبعل، وهل يصحّ البناء على ذلك أصلاً في المحاكمة التي لم تر النور طيلة عشر سنوات..

لماذا كلّ هذه المماطلة، والجميع يعلم أنّ الإمام الصدر تعرض فعلًا للاغتيال وأنه يستحيل أن يكون قد بقي على قيد الحياة طيلة هذه السنوات، وهل تحديد الملايين الأحد عشر التي جرى تحديدها ككفالة لإطلاق سراح هنيبعل، هي بمثابة الفدية السياسية غير المعلنة لبعض الأطراف النافذة؟

وفي عودة إلى سياق الأحداث، لا بُدّ من التذكير بأنّ مسار قضية هنيبعل القذافي قد تحرّك فعليًا مع استقبال الرئيس نواف وفد العشائر العربية في 25/7/2025 وإعلانهم المطالبة بإطلاق سراحه في وقفة عربية مشهودة كان لها ما بعدها وتزامن ذلك مع بدء تحركات واسعة لعشيرة القذاذفة وتنظيمها ردود فعل تطول المغتربين اللبنانيين الشيعة في أفريقيا، وهي العشيرة ذات النفوذ والسطوة والقدرة على حياكة التحالفات مع القبائل الأفريقية التي ما زالت على صلة بها حتى اليوم.

وقد واصلت العشائر العربية تحركها في الأيام التي سبقت القرار القضائي اللبناني المنقوص بإطلاق السراح المشروط، وتفيد مصادرها أنها لن توقف حركتها حتى إغلاق هذا الملف برفع الظلم القائم على هنيبعل القذافي.

وتحدثت مصادر خاصة عن إعطاء مهلة للسلطات اللبنانية لإطلاق سراح هنيبعل القذافي وإلا فإن العشائر الليبية (القذاذفة وحلفاؤهم) سيتحركون على قاعدة وجود انقسام في الدولة الليبية، وبالتالي سيتخذون خطوات قد تطول المغتربين الشيعة في أفريقيا، لفرض إطلاق سراح “الرهينة” نجل القذافي، وهذا يهدِّد بوقوع فوضى كبيرة لا يمكن ضبطها إذا انفجرت، وعلى الأرجح، فإنّ هذا هو سبب الحلحلة الحالية في ملف هنيبعل.

وكشفت المصادر العشائرية أنّ عشائر لبنان جدّدت ضغوطها والتقت عددًا من المسؤولين الرسميين ونقلت إليهم ضرورة إنهاء هذه الحالة الشاذة قبل أن تنحدِر الأمور نحو ردود فعل يصل مداها إلى حدود تهدّد الاستقرار الداخلي والاغترابي بعد هذا الإصرار على التمادي في مخالفة القانون والأعراف والأخلاقيات الإنسانية في قضية هنيبعل القذافي.

واضح أنّ وضع كفالة بقيمة 11 مليون دولار مرفقة بمنع هنيبعل القذافي من السفر هو شكل من أشكال الالتفاف على ضرورة إطلاق سراحه ومماطلة في غير مكانها، خاصة بالنظر إلى تدهور حالته الصحية، مع التساؤل: كيف يمكن فرض مبلغ طائل كهذا ومعروف أنّ المخطوف القذافي جرى توقيفه ظلمًا عشر سنوات، بمعنى أنّ دولتنا يجب أن تدفع له التعويض، لا أن تفرض عليه كفالة مستحيلة.

إن استمرار الابتزاز الحاصل لعائلة هنيبعل القذافي، الواقعة تحت طائلة العقوبات الدولية، مؤشر سلبي، يمكن أن يؤدي إلى انفلات العقال في الشوط الأخير من العملية الجارية، وهنا يجب أن يُدرك الجانب اللبناني أن اللعبة انتهت وحان وقت إنهاء هذا الخرق للعدالة، وهو خرق من عشرات آلاف الخروقات التي تجتاح حقوق الإنسان في لبنان.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com