بقلم مروان الأمين
عاد قانون الانتخابات ليحتل موقعًا متقدمًا في المشهد السياسي اللبناني، مع احتدام السجالات حوله قبل أقل من عام على موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
وتتركز الخلافات اليوم حول مصير تصويت المغتربين: هل يحق لهم الاقتراع حسب مكان قيدهم، أم سيتم إنشاء دائرة خاصة بالمغتربين تضم ستة مقاعد فقط، ما يعني فعليًا عزلهم عن التأثير المباشر في انتخاب النواب الـ 128؟
ويقود المواجهة الداعية إلى حصر تصويت المغتربين في تلك الدائرة المستحدثة ثلاث جهات سياسية: حزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر.
لهذه القوى السياسية مصلحة مباشرة في حصر مشاركة المغتربين في التصويت لستة مقاعد، إذ يشكّل هؤلاء كتلة ناخبة يصعب إخضاعها بالكامل للنفوذ التقليدي القائم داخل البلاد. فالمغتربون، بحكم ابتعادهم عن المنظومة الزبائنية والارتهان السياسي، أقل تأثرًا بالأساليب التي تستخدمها هذه الأحزاب للسيطرة على خيارات الناخبين المقيمين، سواء عبر الخدمات أو التبعية أو الترهيب.
هذا الجدل لا يقتصر على البعد التقني، بل يتجاوزه إلى قضايا دستورية وسياسية تمس جوهر المساواة والتمثيل الديمقراطي.
يُعدّ حصر تصويت المغتربين في ستة مقاعد ضمن دائرة خاصة بهم خطوة تتعارض مع الدستور اللبناني، لأنها تميّز بين المواطنين وتنتقص من حقهم في الانتخاب المتكافئ. فالمغتربون، شأنهم شأن المقيمين في لبنان، يجب أن يصوّتوا في الدوائر وفق مكان قيدهم، لا أن يُحصر تأثيرهم في دائرة رمزية محدودة التأثير.
كما أن تخصيص ستة مقاعد فقط للمغتربين لا يعكس حجمهم الحقيقي مقارنة بالمقيمين الذين يمثلهم 128 نائبًا. وتشير التقديرات إلى أنه لو تم استحداث دائرة خاصة بالمغتربين بشكل عادل، لكان من المفترض أن تضم ما بين 40 و45 نائبًا. غير أن الثلاثي “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” يعارض ذلك بشدة، لأن الهدف، ليس تحقيق العدالة التمثيلية بل تحييد المغتربين عن التأثير في خريطة المجلس النيابي المقبل.
من غير المنطقي اعتماد مبدأ تصويت المغتربين وفق مكان إقامتهم، في حين المواطن في لبنان يصوّت حسب مكان قيده وليس وفق مكان إقامته. هذا التمييز بين فئتين من المواطنين يناقض مبدأ المساواة الذي يؤمن عليه الدستور، ويُفترض أن يحكم العملية الانتخابية.
تتجاوز القضية حدود النقاش الدستوري لتلامس عمق الأزمة السياسية في لبنان. فبعد سلسلة التنازلات أمام شروط “حزب الله” في تشكيل الحكومة والتعيينات القضائية والعسكرية والأمنية، وصولًا إلى مشهد “صخرة الروشة”، يُكرّس أي خضوع جديد لإرادته، سواء من خلال القبول بالدائرة 16 أو إلغاء التصويت في الخارج وإجبار المغتربين على القدوم إلى لبنان للاقتراع، القناعة بأن “الحزب” ما زال الممسك الفعلي بمفاصل القرار السياسي.
إن رئيسي الجمهورية والحكومة، كما جميع القوى السياديّة، مدعوون في هذه المرحلة الدقيقة إلى تأكيد التزامهم بالدستور وبمبدأ تحرير قرار الدولة من تسلّط “حزب الله”.
لذلك، ومن أجل لبنان، لا يجب أن تجرى الانتخابات وفق الشروط التي يفرضها “حزب الله”، ولا تحت وهج السلاح الذي يقوّض إرادة الناس. فالانتخابات، في جوهرها، يجب أن تكون تعبيرًا حرًّا عن إرادة الشعب، لا استحقاقًا شكليًا يُدار في ظل ميزان قوى مختلّ ومناخات ترهيب سياسي وأمني.
فإما أن تكون الانتخابات محطة لاستعادة الدولة ودورها، وإما أن تتحول إلى غطاء جديد لشرعنة هيمنة “حزب الله”.