بقلم بسام سنّو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam
تعرفتُ على الفنانة الثائرة حياة ناظر بالصدفة. لكن ما بدا في البداية لقاءً عابراً، تحوّل إلى نافذة على إرادة لا تُكسر.
هذه المرأة، التي جعلت من المعاناة فناً، ومن القهر حافزاً، ولدت من قلب رماد الخيم التي كسّرتها الأحزاب، فكرة خالدة… مجسم الثورة الذي عُرف لاحقاً بـ “طائر الفينيق”.
كانت تلك الأيام مشبعة بالأمل والعمل.
في غضون أيام قليلة فقط، جمعت حياة عدداً من أصدقائها، وشيّدوا معًا هذا الطائر الذي أصبح رمزاً للساحة، وشعاراً لوطن لا ينكسر، مهما اشتدت عليه العواصف.
وفي خضم هذه اللحظات، أتتني صديقتي الوفية والثائرة عفّت إدريس شاتيلا، تحمل بشرى جديدة: وفدٌ من ثوّار طرابلس وعكّار يعمل على تنفيذ فكرة رمزية مؤثرة. باص يشبه باص عين الرمانة، ذاك الباص الذي اشتعلت من خلاله شرارة الحرب الأهلية المشؤومة، التي حصدت آلاف الأرواح.
أرادوا أن يطوف هذا الباص كل ساحات التظاهر في لبنان، على أن تكون وجهته الأخيرة ساحة الشهداء في بيروت.
وكان صاحب الفكرة الثائر العكاري حامد زكريا، ورافقه ثوّار آخرون من عكّار، من بينهم الثائر ميراز الجندي.
وحين وصلوا إلى الساحة، استُقبلوا بحرارة، وقدّمت لهم السيدة عفّت إدريس شاتيلا شعار بيروت، بمشاركة عدد من المثقفين والناشطين من العاصمة.
كانت تلك الفترة أشبه بالحلم.
الناس يقتربون من بعضهم كأنهم عائلة واحدة، والرأي العام كان داعماً للثورة بقوة.
أُقيمت المعارض، والندوات الثقافية، والمطابخ الشعبية التي قدّمت الطعام مجانًا لكل من تواجد في الساحات.
أذكر أن ثلاث مطابخ رئيسية كانت قائمة: واحدة في ساحة الشهداء، وأخرى تقدم الطعام النباتي مقابل جامع الأمين، وثالثة في باحة موقف العزريّة.
الطعام كان يصل كهبات وتبرعات من كل حدب وصوب، والساعة لم تكن تعني شيئاً… الناس في الساحة ليل نهار، لا يغادرون.
رغم خفوت موجات الغضب في بعض اللحظات، كنا نترقّب ما هو قادم.
كنا نعلم أن الدولة، رغم محاولات الاستخفاف بالثوار، لم تكن بعيدة عن السعي لإخماد هذا الحراك… كانت تبحث عن طريقة لإنهائه بهدوء أو بالعنف.
الواقع في تلك اللحظة كان مفرحًا…
لكن، ما لم يكن في الحسبان…
كان أفظع.
يتبع…