شهادة من قلبٍ انسحب من المنظمات لا من الإنسانية

بقلم خلود وتار قاسم

لقد حاولتُ دومًا أن أفكّر وأتفلسف لأفهم لماذا يصبح قلب الإنسان قاسيًا كالحجر، وما الذي يدفعه أحيانًا إلى ارتكاب جرائم ضد إنسان آخر. دراساتي وتجارب حياتي كانت تهدف إلى الوصول إلى نتيجة واحدة: إصلاح الإنسان.

عايشت الحرب الأهلية في لبنان وواجهت أقسى اللحظات، لكني لاحظت أمرًا ثابتًا عبر تجارب القتلة والميلشيات: حتى المجرم، مهما بلغت قسوته، يتراجع “أحيانًا” عندما تكون الضحية طفلاً أو عجوزًا أو امرأة. كان في ذلك بقايا إنسانية، وخيط من ضمير لا ينقطع بسهولة.

أما اليوم… فماذا نصنع أمام هذا الحقد الذي تجاوز كل حدود الوحشية؟ ما تفسير هذا الإمعان في القتل والذبح بمنتهى الوقاحة ونفسٍ مريضة؟

الأمر الأكثر غرابة وإدانة هو منطقٌ يشرّع للمجرم ذبح الأطفال باعتبارهم «أولاد الإرهابيين». سمعت هذه العبارة تُقال علانية، حتى من زميلة غربية عملنا معًا دفاعًا عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان؛ قالتها بلا حساسية، بلا أسى، حرفياً: «لا أشعر بالأسى تجاههم، فهم أطفال الإرهابيين». لم أصدق أذني. كانت صدمة حقيقة: لعبة السياسة العالمية التي تتعامل بالبشر كأرقام تُشترى وتُباع في بورصة المصالح.

إن «إنسانيتهم» لها حقوق تُدافع عنها حكومات العالم مجمعة حينما يكونون في بلدانهم. لكن حين يصبحون «آخر»، أو تجري عليهم صفة سياسية أو طائفية، تُمحى إنسانيتهم فجأة من قاموس الدفاع الدولي.

لم أرَ أبدًا في هوليوود مبالغة في مشاهد القتل والدمار مُستساغة للواقع، لكن حتى أفلام الانتقام والعدالة الذاتية تحاول أن تمنح فعل القتل طابعًا مُبرَّرًا في إطار دفاعٍ شخصي. أما الواقع الذي نعيشه فهو أبعدُ وأقسى: عندما تُجرَّد أرواح أطفال ونساء ومدنيين من إنسانيتهم، نواجه إبادةً جماعيةً تُسجل في صفحات التاريخ بدمٍ بارد.

وباسم القوانين والمواثيق الدولية “كمادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة” لكل إنسان الحق في التمتع بكافة الحقوق دون تمييز على أساس العِرق أو اللون أو الدين أو أي وضع آخر. ومع ذلك، نسمع اليوم مواقف رسمية تُبدي «القلق» فقط، بينما آلاف الأطفال يُقَطَّعون ويُدفنون تحت الأنقاض.”

كتبتُ هذا المنشور في عام 2023، في اليوم الذي قررت فيه الانسحاب من أربع منظمات دولية كنتُ عنصرًا أساسيًا فيها. السبب؟ سألتهم بصراحة: «هل تعتبروني إنسانًا؟ هل أنا، كلبنانية عربية مسلمة، أتمتع بنفس الحقوق كما يتمتع بها زميلي الغربي؟ هل نعمل معًا من أجل كل إنسان على هذه الأرض أم أن ولاءنا لحقوق إنسانكم فقط؟» لم أتلقَ جوابًا مقنعًا؛ لذا فضّلتُ الانسحاب.

وعندما نُشرت هذه الكلمات على حسابي، لم يتلقَ منشوري أي تفاعل، لم يضع أحد لايك، رغم أن لدي نحو ٥٠٠٠ متابع ومتابعة. إنّ صمتهم ليس بريئًا؛ بل هو جزء منFabric الصمت الدولي الذي يغذّي هذا العنف.

نقول: لنا رب كريم رحيم، ولا بد أن تُفرَج. علينا أن نُعيد تذكّر إنسانيتنا، وأن نتحمّل مسؤولياتنا عن كل كلمة ننطق بها، عن كل مشاركة أو صمت عبر شبكات التواصل.

حسبنا الله ونعم الوكيل.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com