بقلم كوثر شيا
@kchaya
في لبنان، هناك صمتٌ أعلى من أي احتجاج. إنه صمت الإنهاك، صمت الخيبة، صمت شعبٍ أُقنع مرارًا وتكرارًا بأن صوته لا يغيّر شيئًا.
نراه في انحناءة الكتف المتعبة لجارٍ فقد الأمل، وفي نظرة صديقٍ يُخطّط للرحيل، وفي الرقم المؤلم الذي يقول إنّ أكثر من ٦٥٪ من اللبنانيين فقدوا الرغبة في التصويت.
لكن، ماذا لو كنّا قد أسأنا فهم هذا الصمت؟
ماذا لو لم يكن استسلامًا، بل صمتًا عميقًا يخفي في أعماقه خزانًا من الأمل ينتظر لحظة الانبثاق؟
فالتحوّل الذي نبحث عنه لا يعيش فقط في قصور السلطة، بل يبدأ من الداخل من يقظة ضمير كل مواطنٍ يقرر أن صوته، مهما بدا صغيرًا، هو أعظم أداة يمتلكها.
في وطنٍ أنهكته الطائفية والفساد، يبدو الفعل الانتخابي بلا جدوى.
يبدو النظام السياسي كتلةً صلبةً لا تُمس، آلةً صُمِّمت لتكرّر نفسها.
لكن الحقيقة أن هذه الآلة لا تشتدّ إلا بغيابنا، وتُغذّى من لا مبالاتنا.
حين نؤمن أن صوتنا مجرّد قطرة في بحر، ننسى أن البحر لا يتكوّن إلا من قطرات.
وحين نختار الصمت، نمنح القوة لمنظومةٍ نريد إسقاطها.
هذه ليست دعوة إلى اللوم، بل إلى الفهم.
فالإحساس بالعجز حقيقي ومفهوم، لكنه أيضًا خيار.
يمكننا أن نرى التصويت لا كصفقةٍ في نظامٍ فاسد، بل كإعلانٍ صادقٍ عن السيادة والكرامة.
إنها اللحظة الوحيدة التي يقف فيها المواطنون جميعًا من المدير في بيروت إلى المعلّمة في البقاع، من المهندس في دبي إلى الطالب في طرابلس على قدم المساواة، ليقولوا: “أنا هنا، أنا جزءٌ من هذا الوطن، ولي صوتٌ في مصيره.”
من أجل نزاهة الانتخابات وكرامة المواطن
لتحقيق العدالة الانتخابية والشفافية، نرفع مطالبنا إلى وزارة الداخلية وكلّ القوى السياسية لتطبيق الإصلاحات التالية:
١- تمكين المغتربين من التصويت لجميع النواب الـ128، لأن الاغتراب لا يلغي الانتماء.
٢- اعتماد الميغا سنتر لتسهيل المشاركة ومنع التنقّل الانتخابي الممنهج.
٣- منع تجمّع المندوبين خارج المراكز احترامًا لحرية الناخب.
٤- تعدّد رؤساء الأقلام من مختلف المحافظات والطوائف ضمانًا للحياد.
٥- تقنين عدد المندوبين داخل الأقلام للحفاظ على الخصوصية والهدوء.
٦- إجراء الفرز الفوري بإشراف القضاء في مركز الاقتراع نفسه.
٧- تجريم التزوير وملاحقة كل من يشارك فيه من دون استثناء.
٨- مساءلة اللوائح التي تخالف القانون بعقوبات رادعة وعلنية.
٩- حظر الرشاوى الانتخابية والخدمات الزبائنية قبل ستة أشهر من الاستحقاق.
١٠- حماية حرية التعبير ومحاسبة كل من يهدّد مرشّحًا أو ناخبًا أو عائلته، لأنّ الخوف لا يصنع ديمقراطية.
وحين نطبّق هذه البنود، لا نكون فقط نؤمّن نزاهة الاقتراع، بل نعيد الثقة بين الدولة ومواطنيها.
إلى إخوتنا وأخواتنا المنتشرين في العالم، نقول:
دوركم ليس ثانويًا، بل أساسي.
صوتكم ليس حقًا فحسب، بل حبل نجاة يربط لبنان بكم رغم المسافات.
تسجيلكم عبر موقع diasporavote.mfa.gov.lb ليس مجرد إجراء إلكتروني، بل رسالة وفاء وانتماء حقيقيّة.
أنتم لبنان المنتشر، وصوتكم هو الجسر الذي يربطنا بالمستقبل.
ولكلّ من في الداخل والخارج، أقولها من القلب:
ليس مهمًا إن صوّتَّ لحزبٍ، أو لتغييري، أو لمستقلّ. المهم أنك أدّيت واجبك كمواطنٍ وانتخبت بضميرٍ حيّ.
صوتك مقدّس، ولمن صوّت لا يهمّ بقدر ما يهمّ أنك صوّتّ، لأنّ هذا الفعل هو تعبيرٌ عن وجعك، عن أملك، وعن الحزن الجميل الذي لا يزال يريد حياةً أفضل لهذا الوطن.
كما يقول المثل الصيني: “رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.”
ورحلة لبنان نحو الخلاص تبدأ بصوتٍ واحدٍ صادق.
بقرارٍ واحد نحول فيه الأمل الصامت إلى فعلٍ ناطق، والإحباط إلى مشاركة، والصمت إلى ثورةٍ بيضاء.
لسنا ننتظر التغيير… نحن صُنّاعه.
فـمشروع لبنان الجديد ليس في الأدراج الرسمية، بل في ضمير كلّ واحدٍ منّا.
لقد حان وقت البناء، معًا، بصوتٍ واحدٍ وإرادةٍ واحدة.
غدًا: “مشروع وطن” الخطوة التالية نحو تأسيس لبنان الذي نحلم به.