بقلم ماهر أبو شقرا – سياسي وكاتب لبناني
علينا أن لا نساعد حزب الله في ادعائه أن الفكر الخمينيّ والعقيدة الشيعية هما شيء واحد. وبأن تاريخ جبل عامل، وشيعة لبنان عموماً، كان دائماً خمينياً.
وعلينا أن لا نساعد حزب الله في تصوير كلّ هجوم على الخمينية وفكرها وميليشياتها هو هجوم على شيعة لبنان. إنّ شيعة لبنان هم جزء لا يتجزأ من الأمة اللبنانية، ومن هذا المجتمع ومن أهل هذه الأرض.
ومن نافل القول أنّه كان هناك دائماً رهان ضمني على الشيعة عموماً، وعلى شيعة جبل عامل تحديداً، لقيادة حركة إصلاحية تنويرية في العالم الإسلامي، بالاشتراك مع التيارات السنّية المعتدلة، من أشعرية وصوفية وغيرها، بوجه التيار الإخوانجي والتيارات السلفية والأصولية. لذلك، فإنّ انتشار التيار الأصولي الخمينيّ بين شيعة لبنان، وهو النظير الشيعي للتيار الإخوانجي، جاء بخيبة مضاعفة.
وسوف يذكر التاريخ أن الخمينيّة هي أكبر نكبة حلّت بشيعة لبنان على مرّ العصور. إنها فكر وتنظيم معادي للمجتمع اللبناني والتراث اللبناني والدولة اللبنانية، ولتراث جبل عامل وثقافته على وجه الخصوص. لقد أدخلت ثقافة غريبة إلى أرضنا ومجتمعنا، وعملت على سلخ شيعة لبنان عن الأمّة اللبنانية، وإلحاقهم بأمة ولاية الفقيه ونظام ملالي إيران وعقيدتهم.
لقد حان الوقت ليعيد أهل جبل عامل الاعتبار لتراثهم وثقافتهم وغناهم وتنوّعهم، بعيداً عن ظلام الخمينية ونهجها ومغامراتها المشؤومة.
أمّا أولئك الذين يعتبرون أن انتقاد الايديولوجيا الخمينية هو تهجّم على المذهب الشيعي هم أغبياء فعلاً. الأيديولوجيا شيء، والمذهب شيء آخر.
إنّ الأيديولوجيا الخمينية واضحة المعالم، وأسسها موجودة في مؤلفات الخميني ونصوصه ومحاضراته. وأولها وأهمّها حكومة إسلاميّة يتولّى إدارتها الوليّ الفقيه في عصر غيبة المهدي المنتظر. هذه الأيديولوجيا تختلف عن معظم المرجعيات الشيعية الأخرى، التي تؤمن بدور العلماء في الاجتهاد في الشؤون الدينية، وترى أن الحكومة الإسلامية تكون بعد ظهور الإمام المهدي.
لذلك، فإنّ مشكلتنا مع الخمينيين أبعد وأوسع وأعمق من قضية حصر السلاح، وإنهاء خطف قرار الحرب والسلم في لبنان، وانتهاك السيادة الوطنية. مشكلتنا معهم تبدأ باستقوائهم بالخارج على الداخل، وباختراقهم الدولة وجعل بعض مفاصلها تعمل لصالح النظام الإيراني. لقد جعلوا لبنان ساحة جغرافية تستبيحها إيران لتحقيق أهدافها السياسية الإقليمية، وأغرقوا بلداناً بمخدرات مصدرها لبنان، فأساوا إلى الاقتصاد اللبناني وسمعة اقتصاد لبنان.
ثم أنّهم قاموا بغسل أدمغة أجيال لبنانية طالعة في مدارس المهدي وكشافه، وقاموا بتعليبها وجعلوها منتجات في خدمة أمّة أخرى غير الأمة اللبنانية.
إنّ مشروع الخمينيين الأيديولوجي يهدّد وحدة المجتمع اللبناني، لا سيما أنهم اعتدوا على تراثنا الوطني، وجعلوا شيعة لبنان يغتربون عن تراثهم الغني والمنفتح.
لقد عمل الخمينيون كأعداء للبنان من داخل لبنان لعقود طويلة.
والآمال معقودة على أهل جبل عامل، وكلّ شيعة لبنان، للقطيعة مع تلك الايديولوجيا الدخيلة، وإعادة إحياء تاريخهم وتراثهم الغنيّ الذي به يفتخر لبنان.