دولة الرئيس أنت تُخالف الدستور

بقلم سعيد مالك

في ربيع العام الحالي تقدّم عشرة نوّاب، ممثلين كتلهم، باقتراح قانون مُعجّل مُكرّر لإلغاء المادة 112 وسواها من قانون الانتخابات، لتمكين المنتشرين مِن الاقتراع والمُشاركة في الاستحقاق الانتخابي، أسوةً بغيرهم مِن اللبنانيين، وعملًا بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات.

رفض الرئيس برّي طرح هذا الاقتراح المُعجّل المُكرّر على الهيئة العامة، في أوّل جلسة عقدها المجلس النيابي بعد تقديمه. خلافًا لأحكام المادة 109 من النظام الداخلي لمجلس النواب.

تذرّع فريق الرئيس برّي أنّ المادة 109 المذكورة تنُصّ على أنه “للرئيس أن يطرح ” وليس “على الرئيس أن يطرح” وأن صلاحيّته استنسابية بهذا الخصوص. فيما الواقع أن صلاحية رئيس المجلس بهذا الشأن صلاحية مُقيّدة وليست استنسابية على الإطلاق.

واستمر الرئيس برّي في تعنته برفض إدراج هذا الاقتراح المُعجّل المُكرّر على جدول أعمال أي جلسة تشريعية. ضاربًا بِعرض الحائط أحكام الدستور والنظام والقوانين المرعية الإجراء.

والسؤال الأوّل المطروح، ما التوصيف الحقيقي لتصرُّف الرئيس برّي، للتمكُّن مِن البناء على الشيء مُقتضاه؟

نصّت المادة 18 من الدستور اللبناني، على أن لمجلس النواب ومجلس الوزراء حق اقتراح القوانين…كذا.

مما يُفيد أن الدستور اللبناني مَنَحَ مجلس النواب (أي السادة النواب) كذلك الحكومة، حق اقتراح القوانين. وحَصَرَ بهم هذا الحق.

وهذا يُفيد أن مسار أي تشريع، مفترض أن يبدأ باقتراح قانون يُقدّم من أحد النواب، أو بمشروع قانون من الحكومة، ويُحال إلى المجلس النيابي بواسطة رئيس المجلس النيابي بصفته الإدارية ومهامه كرئيس للمجلس.

وما يحصل راهنًا، أن رئيس المجلس وعوض أن يُيَسّر أو يُسهّل اقتراحات القوانين ومشاريع القوانين، لتأمين إيصالها إلى الهيئة العامة…كذا. يُعرقل هذا المسار، بمُصادرة هذه الاقتراحات والمشاريع، واحتجازها في أدراجه دون وجه حق أو مسوغ مشروع.

وهو بالتالي، وبهذه الطريقة وبهذا الأداء، يُصادر حق النائب في التشريع، كما يُصادر حق الحكومة في اقتراح التعديل أم التشريع. ويُعطّل بذلك أحكام المادة 18 من الدستور، التي تولي هذا الحق إلى النواب والحكومة حصرًا.

بالخُلاصة، دولة الرئيس برّي يرتكب مُخالفة دستورية فاضحة، بمُصادرته حق التشريع ومنعه عن النواب وأيضًا عن الحكومة، بطريقةٍ تعسُّفية، لا تفسير لها إلّا تصفية حسابات شخصية وسياسية ضيّقة ولو على حساب أحكام الدستور.

والسؤال الثاني، مَن المَرجع الواجب عليه مُعالجة هذا الخلل وهذا الاعتداء على الدستور؟

ثابتٌ أن رئيس المجلس النيابي لا يُحاكَم أمام المجلس الأعلى لمُحاكمة الرؤساء والوزراء. لكن السؤال، هل الاستمرار في انتهاك الدستور مُمكِن؟ من دون أن يكون هناك أي رادع أم وازع؟

بالعودة إلى أحكام الدستور، نصّت المادة 49 منه على أن رئيس الجمهورية هو الساهر على احترام الدستور، وحلف اليمين على ذلك (المادة 50 منه). ومهمّة السهر على الدستور والتي أُنيطت برئيس الدولة هي من أسمى المهام وأرقاها. بالتالي، مِن مهام الرئيس (رئيس الجمهورية) أن يُراقب احترام الدستور ويرعاه ويُحافظ عليه. فهو دستور الأُمّة، أي أسمى القوانين رتبةً في هرميّة المنظومة القانونية للدولة.

واستنادًا إلى نصّ الدستور، نُلاحظ أن لرئيس الجمهورية صلاحيات عدّة لمُراقبة عمل مجلس النواب، أهمّها طلب إعادة النظر بأي قانون يصدر (المادة 57 منه) وحق مراجعة المجلس الدستوري (المادة 19 منه) كذلك، إمكانية تأجيل انعقاد مجلس النواب إلى أمدٍ لا يتجاوز شهرًا واحدًا (المادة 59 منه) كما يعود له عندما تقتضي الضرورة، توجيه رسائل إلى مجلس النواب (الفقرة 10 من المادة 53 منه).

بالتالي، أمام هذه المخالفات المُتراكمة لرئيس المجلس النيابي، ألا يقتضي على مَن يَلزم اتخاذ ما يقتضي من إجراءات لردعه وتصويب مساره؟

سؤالٌ برسم المعنيين، علّنا نَلقى الجواب.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com