بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
في الثالث عشر من تشرين الثاني، سقط أول شهداء الثورة على طريق خلدة. كان ذلك اليوم نقطة تحوّل في مسار الحراك الشعبي، حين دوّى خبر استشهاد علاء أبو فخر، الشاب الذي حمل حلم الوطن على كتفيه، ليسقط برصاص الغدر، رصاصٍ خرج من سلاح مرافقٍ لرجل أمن.
لم تكن الحادثة عابرة، بل هزّت قلوب الناس من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وسائل الإعلام تناقلت الخبر كالنار في الهشيم، والوجع عمّ الساحات. رأينا في عيني علاء صورة الوطن المقهور، وشعرنا أنّ الدم الذي سال في خلدة إنما رسم خطًّا جديدًا في درب الثورة.
قرّرنا، نحن مجموعة من ناشطي الثورة، أن نتوجّه إلى منزل الشهيد لتقديم التعازي باسمه وباسم كل حرّ في هذا الوطن. وهناك، وسط وجع العائلة ودموع الأم، وُلد إصرار جديد: أن نحمل راية الشهيد ونمشي بها حتى النهاية.
في اليوم التالي، الرابع عشر من تشرين الثاني، أقمنا جنازة رمزية لعلاء. حملنا تابوتًا خشبيًّا ملفوفًا بالعلم اللبناني، وسرنا به من أول طريق العازارية إلى ساحة رياض الصلح في موكب مهيب. كان المارة يصفقون، يهتفون، يبكون… وكنّا نحن نحمل الأكاليل والشموع، نضيء بها ساحة الشهداء التي تحوّلت إلى بحر من الضوء والدموع.
نصبنا خيمةً لتقبّل التعازي، وجاء الثائر وسام ابو فخر ممثلاً للعائلة الشهيد ليقفوا معنا، كتفًا إلى كتف، وسط الساحة التي احتضنت آلام الوطن وآماله. هناك، وقفت الأميرة حياة أرسلان تستقبل المعزّين باسم العائلة، في مشهد جمع بين الحزن والكرامة، بين الفقد والإصرار.
لكن الثورة لم تكن فقط دموعًا، بل كانت حياة.
فبعد أيام، شهدنا عرسًا ثوريًا، قرّر العروسان أن يتشاركا فرحهما مع المتظاهرين. رقصا بين الحشود، وارتفعت الزغاريد في ساحةٍ ما عرفت الفرح منذ زمن. عندها أدركنا أن الثورة ليست حزنًا فقط، بل نبض حياة، تجمع الفرح بالحزن، الخوف بالأمل، الألم بالعزيمة.
كانت الثورة مزيجًا من المشاعر: خوفٌ يتبعه اطمئنان، حزنٌ يليه فرح، دموعٌ تمتزج بالضحكات. كنا نعيش حالة فريدة من النشوة والشعور بالقوة، بقوة التغيير، وبكسر حاجز الخوف من كل حزب وكل سلطة.
هدفنا كان واحدًا وواضحًا: أن نستعيد الوطن، وأن نعيده إلى برّ الأمان.
فمن دماء علاء وأمثاله، تنبت أوطان جديدة.
يتبع…