بقلم بسّام سَنّو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam 
ذات مساء، جاءني صديقي عبد فليلفل يحمل في صوته حماسًا لا يخفى. قال لي: “ثوّار الشمال عازمون على زيارة بيروت، ليمضوا ليلةً بين أهلها، يشاركونهم الهمّ والدعم والمحبّة. فهم، كما تعرف، ثوّار العنفوان.”
طلب منّي ومن الخيم التي تُعنى بتأمين الطعام في الساحة أن نستقبلهم بما يليق بهم من لقمة محبّة.
فما كان منّا إلا أن بدأنا التحضير: طبخنا المغربية لتكون وجبة تسند أهل الشمال بعد عناء الطريق، وتكفّلت خيمٌ أخرى بتأمين السندويشات والمرطّبات والحلويات. بقي علينا فقط تأمين الفُرُش والحرامات للمبيت.
لكنّ الطقس تلك الليلة كان قاسيًا، فالعواصف هبّت عنيفة، والأمطار لم تهدأ. لم تعد الخيم تتّسع لهذا الجمع الكبير الذي فاق عدده خمسة آلاف ثائر، فكان لا بدّ من إيجاد مأوى مغلق يضمّ الجميع.
توجّهنا إلى الشيخ أمين الكردي، وطلبنا منه أن يفتح جامع الأمين ليستقبل الضيوف القادمين من الشمال. فلبّى الطلب بكل نبلٍ وسخاء، وفتح أبواب المسجد أمام الثوّار دون تردّد.
ومنذ تلك الليلة، لقّبه الثوّار بـ “شيخ الثورة”، تقديرًا لموقفه الإنساني الشريف.
ولا أنسى كذلك مواقف بعض الرهبان الذين فتحوا كنائسهم في ساحات الأسواق لاستقبال الناس. أذكر منهم أبونا أغابيوس وعددًا من الرهبان الذين كانوا معنا دائمًا، سندًا روحيًا وإنسانيًا في كل مراحل الثورة.
لكن للأسف، لم يرقَ هذا المشهد الوحدوي للبعض.
فقد تعرّض ثوّار الشمال لحملة تخوين ظالمة، واتُّهموا بأنّ بينهم مندسّين يريدون تخريب بيروت. روّجت وسائل الإعلام لهذا الافتراء، فكان نصيبهم القمع والضرب، بدل أن يُقابلوا بالترحيب والعرفان.
أذكر من بين هؤلاء الشرفاء وائل حمزة، الذي بقي معي في الخيمة مدة طويلة، ومعه صديقي مراد، وكانا من أوفياء الحراس للثورة والخيمة.
بقيوا ساهرين على الأمان، بقلوبٍ مخلصةٍ ونفوسٍ لا تعرف الخوف، يحمون المكان كما لو كانوا يحمون وطنًا بأكمله.
تلك الليلة لم تكن عادية، كما لم تكن الثورة نفسها عادية.
كانت حكاية كرامةٍ وإنسانية، حكاية وطنٍ ينهض رغم العواصف، ويحتضن أبناءه رغم الألم.
يتبع…
