فضيحة مدوّية : رجل بلا شهادة يُمسك بقطاع التكنولوجيا والتربية في لبنان

"علاقات حزبية وطائفية ونفوذٍ داخل المجلس النيابي"

بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي

تتكشف يوماً بعد يوم معطيات جديدة أكثر خطورة حول الدور الذي يلعبه المدعو “ر. ب.” في قطاع التكنولوجيا والتربية في لبنان، بعدما تمكّن خلال السنوات الأخيرة من التسلّل إلى المؤسسات الرسمية والنقابية مستخدماً نفوذه الحزبي والطائفي لتثبيت موقعه الوهمي كـ”خبير تربوي وتكنولوجي”، في حين أنه لا يحمل أي شهادة جامعية أو تأهيل أكاديمي يبرّر هذا اللقب.

فبعدما أنشأ نقابة تكنولوجيا التربية في لبنان بطريقة مخالفة للأصول القانونية، وبموجب استثناء حزبي مكشوف، بدأ “ر. ب.” يبني شبكة نفوذ تمتد من داخل الوزارة إلى لجانٍ تربوية رسمية، وصولاً إلى جلسات نيابية كان يحضرها بصفة “خبير في التحول الرقمي في التعليم”، وهي صفة لم يحصل عليها من أي جهة رسمية أو أكاديمية. حضوره في هذه الجلسات لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة تدخل مباشر من جهات حزبية وطائفية نافذة فرضت وجوده على بعض النواب واللجان تحت ذريعة تمثيل النقابة، في حين كان هدفه الحقيقي تثبيت نفوذه وتأمين مصالحه الخاصة عبر المشاريع التربوية المموَّلة من الخارج.

الوثائق التي توافرت أخيراً تشير إلى أن “ر. ب.” استخدم موقعه النقابي لتسهيل تمرير عقود واستشارات لشركات يملكها أو يديرها بشكل غير مباشر، بعضها مسجل بأسماء أقارب وأصدقاء، وأن هذه الشركات كانت تحصل على تمويل من مشاريع تربوية تابعة لوزارة التربية أو لمنظمات دولية عاملة في لبنان. الأخطر أن الرجل، الذي يقدَّم إعلامياً كخبير وطني، كان يشارك في إعداد مقترحات ومداخلات تقنية حول المناهج والسياسات التعليمية، بينما يستفيد في الوقت نفسه من تنفيذ مشاريع مرتبطة بها، ما يشكل تضارب مصالح فاضحاً وتلاعباً خطيراً بالمال العام والتمويل الخارجي.

المعطيات الإضافية التي حصل عليها التحقيق تُظهر أن نفوذه يتجاوز حدود الوزارة، إذ يستند إلى حماية حزبية وطائفية مكّنته من الإفلات من أي مساءلة أو محاسبة. كلما ارتفعت الأصوات المطالِبة بالتحقيق في مؤهلاته أو في طريقة تأسيس النقابة، تتدخّل شخصيات سياسية ودينية من طائفته لمنع أي تحرك قضائي أو إداري ضده، بحجة أنه “شخصية ناشطة في الشأن التربوي” أو “يمثل مصلحة الطائفة في المجال التكنولوجي”.

بعض المصادر التربوية تؤكد أنه استغل هذه الحماية لإبرام عقود في مناطق محددة محسوبة على طائفته، مقدّماً مشاريع تحمل عناوين براقة مثل “التطوير الرقمي للمدارس” و”تمكين المعلمين”، في حين كانت تُستخدم لتلميع صورته السياسية وتعزيز نفوذه المحلي. كما تشير تقارير مالية غير رسمية إلى تدفقات نقدية بالدولار لم تُسجّل في بيانات الشركات التابعة له، ما يفتح الباب أمام شبهات حول التهرّب الضريبي وتبييض الأموال.

في ظل هذه الوقائع، يعيش الوسط التربوي والأكاديمي حالة من الذهول والغضب. فكيف يمكن أن يتصدّر شخص بلا أي مؤهل علمي أو مهني قيادة نقابة في مجال علمي دقيق كالتكنولوجيا التربوية؟ وكيف يُسمح له بالتحدث باسم المعلمين والخبراء في جلسات رسمية ونيابية، فيما يكتفي أصحاب الكفاءات الحقيقية بالتفرج؟

القضية لم تعد مسألة فرد أو تجاوز إداري، بل أصبحت نموذجاً عن كيفية تحويل التعليم إلى ساحة نفوذ حزبي وطائفي. وعندما يُدار القطاع التربوي بهذه الطريقة، ويُستغل المال العام والتمويل الخارجي لخدمة مصالح شخصية، فإن مستقبل الأجيال يصبح على المحك.

إن ما كشفته هذه المعطيات يستوجب تدخلاً عاجلاً من وزارتي التربية والعدل، وهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، لفتح تحقيق شامل وشفاف في مسار هذا الشخص الأكاديمي والمهني والمالي، وفي طريقة تأسيس النقابة التي يدّعي رئاستها، ومصدر تمويل المشاريع التي يديرها.

السكوت عن هذه الوقائع يعني القبول بانهيار جديد في منظومة التربية اللبنانية، وتكريس واقعٍ يُدار فيه التعليم بالابتزاز والولاءات لا بالكفاءة والمعرفة.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com