من تمثال #صائب_سلام إلى البربير… #بيروت تنتفض رغم القمع والبلطجة

‎في إحدى أمسيات بيروت، اجتمع ثوارها في جلسة حماسية ضمّت السيدة يسرا التنّير، وأبو رامي، ويحيى المصري، ووجوهًا أخرى من أبناء العاصمة الذين لا يُستهان بعزمهم؛ من بينهم الكابتن حاسبيني، وياسين قضاضو، ونبيه طبّارة، وعادل، وفرح رمّو، وعامر جلّول، وعلي بيضون، وغيرهم من الصبايا والشبان الذين حملوا همّ مدينتهم في قلوبهم.

‎قرّر المجتمعون تنظيم تظاهرة تنطلق من تمثال الرئيس صائب سلام وصولًا إلى مستشفى البربير، بمواكبةٍ أمنيةٍ تؤكّد أن أهالي بيروت هم جزء لا يتجزأ من الانتفاضة الشعبية، وأنّ بيروت ليست رهينة أحد، ولا ترفض أحدًا، فهي مدينة لكل أبنائها، ومعاناتها مع الظلم والفساد والجهل هي ذاتها معاناة كل لبنان. حتى طريق الجديدة، رغم صلابتها وشهامتها، ليست في حالٍ أفضل من سواها.

‎انطلقت المسيرة يتقدّمها يحيى المصري بمكبرات الصوت بموسيقيّ يملأ الشارع حماسًا، وصدحت الأغاني الوطنية والثورية في الأرجاء، فيما الإعلام يوثّق المشهد لحظة بلحظة. ازدحمت الشوارع بالمؤيدين، وتعالت أصوات الناس مرحّبة بهذه التظاهرة التي عبّرت بصدق عن نبض كل بيروتيّ أصيل. كانت المسيرة سلمية، هادئة، لا تستفز أحدًا، بل تعبّر عن وجع الناس ورفضهم لكل أشكال الفساد والظلم.

‎رحّب الأهالي بالمتظاهرين، ورافقهم شباب طريق الجديدة بدراجاتهم النارية حتى وصلوا إلى مدخل سوق الذهب. هناك، اقترح البعض متابعة السير، لكنّ الجميع اتفق على إنهائها عند هذا الحدّ، تجنّبًا لأي احتكاك مع الأحزاب داخل الشوارع الضيّقة كـ النويري.
‎كانت المظاهرة عفوية الطابع، سلمية النهج، عميقة الأبعاد السياسية، غطّتها معظم وسائل الإعلام، وأُجريت مقابلات مع عددٍ من الناشطين المشاركين فيها.

‎وفي الأسابيع التالية، شهدت مناطق أخرى تظاهرات مماثلة، عبّرت عن عطش الناس للتغيير، وعن رغبتهم في كسر حاجز الخوف. وهكذا قرّر الثوار تنظيم مسيرة جديدة، تنطلق من طلعة اليونيسكو باتجاه محيط عائشة بكّار مرورًا بمنزل الرئيس نبيه بري.

‎لكنّ الصدمة كانت قاسية، إذ هاجمت مجموعات مسلّحة تابعة لبري المتظاهرين، واعتدت عليهم بطرقٍ غير مألوفة، في محاولةٍ لقمعهم وإسكات أصواتهم. أراد جماعة أبو خشبة أن يُثبتوا أنّ الهيمنة لا تزال قائمة، لكنّ صرخات الغضب ارتفعت في وجههم. ومنذ ذلك الحين، لُقّب أحد رموزهم بـ البلطجي، رمزًا لذلك الوجه القبيح الذي واجه سلمية الناس بالعنف والترهيب.