بقلم كارين القسيس
تتّجه الأنظار نحو دائرة “الشوف – عاليه” التي تشكّل في كلّ استحقاقٍ نيابي مرآة للمزاج السياسي والوطني، فهي الدائرة التي تتقاطع فيها القوى التقليديّة مع التجارب الجديدة، وتُختبر فيها موازين النفوذ بين الأحزاب والطوائف والمستقلين، وبالتالي مع اقتراب استحقاق أيار 2026، تبدو ملامح المعركة مختلفة عن سابقاتها، إذ يُطرح على الساحة مشروع لائحة مستقلة تحاول كسر الاصطفافات التقليدية وتقديم خيار ثالث بعيد عن الحسابات الحزبية والمشاريع التغييريّة.
في هذا الإطار، وبعد متابعة “الكلمة أونلاين” لمسار التحضيرات الانتخابيّة في الدائرة، تمّ التواصل مع الأمير عادل فيصل أرسلان الذي أكّد أنّه يعمل على تشكيل لائحة من شخصيات مستقلّة غير منتمية إلى أيّ من الأحزاب أو المجموعات التغييرية، قائلاً: “نحن نعمل على بناء لائحة مستقلّة تضم شخصيات من الشوف وعاليه، بعيداً عن الأحزاب التقليدية، وكذلك عن التغييريين الذين، وللأسف، لم يتمكنوا من تقديم بديل فعلي بسبب غياب الاستراتيجيّة والرؤية الواضحة”، لافتاً إلى أنّهم يحاولون إعادة الثقة بفكرة الاستقلاليّة السياسيّة وفتح الباب أمام مسار سياسي جديد.
ويقرّ المير أرسلان بصعوبة المعركة الانتخابيّة قائلاً: “نحن نعلم أنّ الخرق في هذه الدائرة صعب جداً”، موضحاً أنّ في قضاء الشوف مقعدين مارونيين ومقعدين سنّيَين واثنين لطائفة الموحدين الدروز، فيما تضمّ دائرة عاليه مقعدين درزيين ومقعدين مارونيين ومقعداً للروم الأرثوذكس، ما يجعل المعادلة الانتخابية دقيقةً وحساباتها معقدّة.
وأضاف: “هناك احتمال أن يتمكّن المرشح الماروني أو الأرثوذكسي على لائحتنا من الوصول إلى البرلمان قبل أن أصل أنا، لأنّ التحالف المرتقب بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب “الديمقراطي اللبناني”، المير طلال أرسلان سيجعل المنافسة أكثر صعوبة.
وتابع، “وصلتنا معلومات تفيد بأنّ جزءاً من الأصوات، التي كان الحزب الاشتراكي قد منحها سابقاً للنائب التغييري مارك ضو، وهي نحو سبعة آلاف صوت، سيُجيَّر هذه المرة لمصلحة مرشّح المير طلال أرسلان، ما قد يؤثر على معادلة القوى في دائرة الشوف–عاليه ويزيد من تعقيد المنافسة الانتخابيّة”.
وعلى الرغم من إدراكه لتوازنات الدائرة وحساباتها الدقيقة، شدّد المير أرسلان على عزمه المضي في المسار الانتخابي حتى النهاية، مؤكداً أنّه يدرك مدى صعوبة المعركة، لكن لا يمكنه أن يبقى في موقع المتفرّج، إنّما يجب أن يُكمل حتى النهاية، حتى لو لم ينجح، إذ يكفيه أن يقول إنّه حاول وقدم خياراً آخر للناخبين.
وأعرب عن تخوّفه من انعكاسات الأداء الضعيف للمجموعات التغييرية، معتبراً أن ذلك قد يؤدي ربّما إلى ردّة فعلٍ عكسيّة، قد تُعيد عدداً من الناخبين إلى الزعماء التقليديين الذين كانوا قد ابتعدوا عنهم، أو تدفعهم إلى مقاطعة الانتخابات، وهو ما يُضعف فرص التغيير الحقيقي.
وسط هذا المشهد المتشابك، تبدو معركة الشوف–عاليه مقبلة على مواجهة من نوعٍ جديد، تجمع بين إرادة الاستقلال السياسي ومحاولات الحفاظ على النفوذ التقليدي، فالأميرعادل فيصل أرسلان، من خلال مسعاه إلى تشكيل لائحة مستقلة، يسعى إلى إعادة إحياء فكرة البديل، بعيداً عن الاصطفافات القديمة بحسب قوله، لكن تبقى التساؤلات معلّقة: هل سيتمكّن الميرعادل فعلاً من خرق جدار التحالفات التقليدية؟ أم أنّ النظام السياسي القائم سيُعيد إنتاج نفسه في ثوب جديد؟ الإجابة، كما العادة في لبنان، ستُكتب بأصوات الناخبين في صناديق الاقتراع يوم الاستحقاق.