بقلم أحمد عياش
أطل المبعوث الرئاسي الأميركي توم برّاك أمس باقتراح بيروت – تل ابيب كحلّ لمعضلة لبنان الأمنية مع إسرائيل. وأتى هذا الاقتراح في وقت ينشغل فيه المسؤولون اللبنانيون بنوعية الحوار غير المباشر مع الدولة العبرية، ومن هم “المدنيون” الذين يجب انضمامهم إلى محادثات اللجنة الخماسية التي تترأسها الولايات المتحدة الأميركية لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار المبرم في 27 تشرين الثاني الماضي.
ليست هي المرة الأولى التي يطلّ فيها المبعوث برّاك بطروحات مثيرة للجدل. لكن هذه المرة أتت دعوته إلى حوار مباشر بين لبنان وإسرائيل في وقت تتصاعد التهديدات بتجدد الحرب الإسرائيلية وبطريقة أعنف من تلك التي لجمها اتفاق تشرين الثاني الماضي. كذلك أتت دعوة برّاك بعد دعوة رئيس الجمهورية جوزاف عون الجيش الى “التصدي للتوغل الإسرائيلي” على خلفية مقتل موظف بلدية بليدا الحدودية في هجوم إسرائيلي مباشر. فكيف سيتعامل الحكم في لبنان مع المعطى الجديد في الموقف الأميركي؟
استبق المبعوث الأميركي، خلال مشاركته في مؤتمر حوار المنامة للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين، الجواب الرسمي اللبناني بتوجيه انتقادات للحكم وتحديدًا الرؤساء الثلاثة بأنهم ليسوا على مستوى التحديات. وما قاله: “لبنان دولة فاشلة. لا يوجد بنك مركزي. النظام المصرفي في حالة انهيار. لا توجد كهرباء، ويعتمد الناس على المولدات الخاصة. بالنسبة للمياه والتعليم، تحتاج إلى مقدمي خدمات خاصين. إذن ما هي الدولة؟ الدولة هي “حزب الله”. في الجنوب، يوفر “حزب الله” المياه والتعليم. لديه (الحزب) 40.000 جندي. ولدى الجيش اللبناني 60,000 جندي. لكن جنود “حزب الله” يكسبون 2200 دولار شهريًا، وجنود الجيش اللبناني يكسبون 275 دولارًا. يمتلك “حزب الله” 20,000 صاروخ وصاروخ. جنود الجيش اللبناني يحملون سيارات جيب قديمة وبنادق AK-47. ماذا يحدث هنا”؟
تركت مقارنات برّاك بين الدولة وبين “حزب الله” انطباعًا أن لا أمل يرتجى من الدولة التي تتأخر كثيرًا من حيث الإمكانات عن الحزب. فهل هذا هو فعلًا ما ذهب اليه برّاك في حملته غير المسبوقة من حيث الشدة على سلطات لبنان الرسمية؟
لا يبدو الأمر على هذا النحو، من خلال التأمل أكثر في اطلالة برّاك التي قاربت الساعة تقريبًا إضافة إلى ما أدلى به أمام الصحافيين على هامش المؤتمر. وبدا أن مبعوث الرئيس الأميركي غير راغب في مناقشة مواقف المسؤولين على هذا الصعيد وعلى رأسهم رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي كان له حديث مسهب خلال استقباله الجمعة الماضي وزير خارجية ألمانيا يوهان فاديفول. فقد اعتبر الرئيس عون أن إسرائيل تقابل دعوات لبنان للتفاوض بمزيد من “الاعتداءات”. وأبلغ الرئيس عون الوزير الألماني “أن الجيش اللبناني يقوم بواجبه كاملًا في جنوب الليطاني، إضافة إلى مهامه الكثيرة على مستوى الوطن ككل، لافتًا إلى أن لبنان يرحب بأي دعم للجيش وتوفير الإمكانات الضرورية له لتمكينه من القيام بدوره الكامل في حفظ السيادة وسلامة الوطن”.
لا تبدو الأمور بين الولايات المتحدة وسلطات لبنان على ما يرام. وأعطى توم برّاك إشارات واضحة إلى ما تريده واشنطن من بيروت وعلى وجه السرعة، وهو: “يجب أن تكون المحادثة مع إسرائيل. إسرائيل جاهزة”. وأضاف: “إذا ساروا إلى ذلك الباب، إلى إسرائيل، وأجروا محادثة، فلا يمكن أن يضر”. لكنه قال إن القادة اللبنانيين “متوترون بحق” بشأن مثل هذه المحادثات. إنهم مترددون بحق لأنها بيئة خطرة”. لكن “إذا كنت تريد القيام بذلك، فسنساعد. سنمارس ضغوطًا على إسرائيل لتكون معقولة”.
وخلص الى القول: “الطريق واضح جدًا أنه يجب أن يكون إلى القدس أو تل أبيب”.
قال برّاك ما قاله. لكن سيأتي الرد الرسمي اللبناني بطريقة غير مباشرة كما حصل سابقا على الرغم من شدة ملاحظات المبعوث الأميركي.
قبل ذلك، أطل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الخميس الماضي عبر الـ “mtv”، فقال ردًا على سؤال عن أداء الرئيس عون: “ننتظر تسلسل الأحداث كي نرى أداء الرئيس عون الى أين سيوصلنا، وبرأيي كان يجب التصرف بشكل مختلف، لأننا أصبحنا في (بوز) الخطر”.
في المقابل، وعلى طريق نقيض من جعجع ثمّن الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أمس “الموقف المسؤول للرئيس عون، في إعطاء الأوامر للجيش بالتصدي للتوغل الإسرائيلي، وهذا يبنى عليه”.
تسارعت الاحداث في لبنان ومن حوله في الأيام الأخيرة وبلغت مستوى لم تبلغه من قبل، ولا سيما في الفترة التي تلت وصول الرئيس عون الى سدة الرئاسة الأولى في كانون الثاني الماضي. وصار لزامًا أن يلاقي لبنان الرسمي هذه الأحداث بطريقة تلائم الظروف الراهنة. وقال كثيرون أن هناك وصفة لكي يجد لبنان مخرجًا من أخطار تلوح في الأفق وتتمثل بنزع سلاح “حزب الله”.
هل سيقبل المسؤولون هذه الوصفة؟ أتت مواقف هؤلاء مرارًا على شاكلة أنه لا بد من نهاية لسلاح الحزب، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت من غير المعروف كم هي مدته.
في المقابل، قال برّاك ومن البحرين: هناك وقت قصير لحل مسألة سلاح الحزب.
هل أسمع برّاك سلطة لبنان كلّ هذه الانتقادات كي يقول بطريقة ما، إن أوان الحل اللبناني لحلّ معضلة سلاح “حزب الله” قد انتهى؟