من استقالة #الحريري إلى حكومة دياب : شرارة #الثورة التي كشفت زيف السلطة وعمّقَت الانهيار
بقلم بسّام سنّو – خاص بوابة بيروت

كاتب وناشط سياسي
بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، دخل لبنان في مرحلةٍ من الضباب السياسي لم يعرف مثلها من قبل. امتنع الرئيس المكلّف عن تأليف الحكومة، فطال الانتظار، وتعطّلت مصالح الناس، وازدادت النقمة الشعبية.
في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، قدّم الحريري استقالته على إثر الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي انطلقت في 17 تشرين الأول، ومنذ ذلك الحين جرت محاولات عدّة لتأليف حكومة جديدة.
خلال هذه الفترة، فشلت مساعٍ عديدة لتشكيل حكومة قبل أن يتمّ تكليف حسان دياب رسميًا في 19 كانون الأول (ديسمبر) 2019. وأبرز تلك المحاولات، كانت محاولة إعادة تكليف سعد الحريري نفسه بتشكيل حكومة جديدة، لكنه رفض تولّي المهمة بسبب الخلافات حول طبيعة الحكومة، أهي “تكنوقراط” أم “سياسية”. تداول أسماء أخرى مثل محمد الصفدي، وبهيج طبارة، وسمير الخطيب، إلا أن جميعهم اعتذروا أو سُحبت ترشيحاتهم نتيجة الخلافات السياسية والضغط الشعبي.
بعد ذلك، تمّ تكليف السفير مصطفى أديب بتأليف الحكومة، غير أنه فشل في مهمته، فقرّر الرئيس ميشال عون ترشيح الدكتور حسان دياب لتولّي رئاسة الوزراء.
ألّف دياب وزارته وتوجّه بخطى ثابتة نحو المجلس النيابي طلبًا للثقة، لكن الشارع كان له رأي آخر. فقد قرّر الثوّار منعه من الوصول، معتبرين أن حكومته لا تمثّل إرادة الناس، بل تُعيد إنتاج المنظومة نفسها بوجهٍ جديد.
تجمّع حشدٌ كبير من المواطنين عند مداخل الطرق المؤدية إلى مجلس النواب، وأغلقوها بأجسادهم، مردّدين هتافًا واحدًا: «لا ثقة بحكومة المحاصصة!»
أُوكل إليّ، كما إلى غيري، تأمين الطعام والماء للمعتصمين. أذكر جيدًا ذلك اليوم حين تولّيت تجهيز ألف “منقوشة” وزّعناها على الجالسين في الطرقات، الذين صمدوا رغم التعب والجوع والبرد. كانت لحظة تضامنٍ نادرة، تُشعرك بأن الشعب، حين يتوحّد، يصبح أقوى من أي سلطة.
في البداية نجحنا في منع النواب من المرور، لكن سرعان ما واجهتنا القوى الأمنية بالغازات المسيلة للدموع والضرب. تفرّق الناس، وتمكّن النواب من الوصول إلى المجلس، حيث مُنحت حكومة دياب ثقةً مزيفة.
كان الرئيس نبيه بري يومها شاهد زورٍ على عمليةٍ لم يعرف فيها الصدق طريقًا، إذ لم يحصل دياب فعليًا إلا على عددٍ أقلّ من الأصوات المعلَنة، لكن الأرقام لُعِب بها كما يُلعَب بمصير وطن.
لم يقف الثوّار عند هذا الحد. فبعد جلسة الثقة، قرّرنا التوجّه إلى منزل حسان دياب في منطقة تلة الخياط – طلعة تلفزيون لبنان، حيث وقفنا احتجاجًا نطالبه بالاستقالة، فواجهتنا القوى الأمنية بالقمع من جديد. كنا نعلم أن هذه الحكومة ليست سوى امتدادٍ لمنظومةٍ فاسدة أوغلت في تدمير الاقتصاد اللبناني، وخدمت مصالح الحزب والنظام السوري على حساب لقمة الناس وكرامتهم.
في عهد حسان دياب، فُقدت السلع من الأسواق، ودُعمت بأسعار وهمية ليُعاد تهريبها إلى سوريا بتواطؤٍ من التجار. كانت المواد المدعومة من مازوتٍ ونفطٍ ومواد غذائية تعبر الحدود، فيما كان المواطن اللبناني يقف في الطوابير. حتى أموال الدعم المخصصة للجامعة اللبنانية وأساتذتها لم تصل إلى أصحابها، بل ذهبت إلى جيوب المسؤولين.
تواطأ التجار وأصحاب السوبرماركت والأفران ومحطات المحروقات وشركات الأدوية، واغتنوا على حساب الناس. فاضطر الثوار إلى التوجّه نحو الوزارات والمحال والأفران لفضحهم وكشف احتكارهم للسلع المدعومة.
كانت تلك المرحلة من أسوأ ما مرّ به لبنان. سياسةٌ عمياء أوصلت البلاد إلى نهبٍ منظّمٍ قُدّر بما يقارب خمسةً وعشرين مليار دولار، ضاعت بين الفساد والتواطؤ وسوء الإدارة.
ومع ذلك، لم يمت الحلم. فما زال في هذا البلد من يؤمن أن الحقّ لا يُمحى بالغاز ولا بالتهديد، وأن الثورة، وإن خمدت نارها يومًا، فإن رمادها يخفي تحتَه شرارة لا تموت .