السلاح والهيمنة والتلاعب بالدستور
بقلم رفيق خوري
لا حل دستوريًا للخلاف على تعديل أو لا تعديل لقانون الانتخاب في غياب “الضابط الكل”. ولا يبدل في الأمر كون الخلاف بين أكثرية نيابية من حقها تعديل القانون لتصحيح غلطة فيه وبين رئيس مجلس نيابي يرفض التعديل وعرض اقتراح قانون التعديل على الهيئة العامة لمناقشته والتصويت عليه. فـ “الضابط الكل” ليس فقط الدستور بل أيضًا الحكم في حسم الخلاف على تفسير الدستور. ومن هنا كان الحرص على حذف تفسير الدستور من صلاحيات المجلس الدستوري، وترك التفسير للمجلس النيابي بحيث استولى عليه عمليًا رئيس المجلس. وهذا ما أفسح في المجال للتلاعب بالدستور تبعًا لموازين القوى وخدمة المصالح السياسية الضيقة أكانت فئوية أو طائفية. وقمة الإصلاحات إعادة صلاحية تفسير الدستور إلى المجلس الدستوري.
ولا مهرب من الهيمنة في نظام طائفي. ولا دوام لهيمنة أي طرف مع تبدل الظروف في لبنان ومن حوله، بحيث انتقلنا من هيمنة مارونية إلى هيمنة سنية فإلى هيمنة شيعية. والتلاعب بالدستور وسيلة لخدمة الهيمنة والحفاظ عليها. والتمسك بالسلاح خارج حصرية الدولة هو، بصرف النظر عن الأدوار المعطاة له في مقاومة إسرائيل وممانعة أميركا والعرب والعمل للمشروع الإقليمي الإيراني، أداة لحماية الهيمنة التي يمارسها “الثنائي الشيعي”. وليس أمراً قليل الدلالات، بعد الضربة القوية التي تلقتها “المقاومة الإسلامية” في “حرب الإسناد” لغزة، أن يقول المرشد الأعلى علي خامنئي “إن حزب الله ثروة كبيرة للبنان وغير لبنان ولا ينبغي الإستهانة به”.
ذلك أن “حزب الله” هو بالتأكيد ثروة لإيران، لا للبنان الذي عجز عن حمايته وحماية بيئته وقادته وكوادره في مواجهة العدو الإسرائيلي. وموقعه في لبنان يتأثر بموقع الجمهورية الإسلامية ونفوذها ومشروعها في المنطقة، وإن كانت مكانته في التوازن الطائفي محفوظة. والواقع أن موقع إيران الإقليمي تبدل في التحولات التي قادت إليها حرب غزه وحرب لبنان وحرب طهران نفسها وسقوط نظام الأسد، واندفاع الرئيس دونالد ترامب نحو رعاية سلام واسع في الشرق الأوسط لا مكان فيه لأي نفوذ إيراني ولا حتى للنظام إن لم يعقد صفقة مع “الشيطان الأكبر”. لكن جمهورية الملالي التي وصلت إلى ما وصفه كريم سادجادبور في “فورين أفيرز” بأنه “خريف آيات الله” مستمرة في سياسة الإنكار والمثابرة. وهي مصرة على احتفاظ “حماس وحزب الله” بالسلاح وتلقي المزيد منه، ومشغولة بالخوف على الحشد الشعبي من ضربة إسرائيلية وبخسارة “المقر والممر” في العراق بعد خسارة “الجسر” السوري. لا بل توحي أن عودتها إلى دمشق ليست بعيدة. وهذه أحلام في النهار هربًا من الكوابيس في الليل.
وبكلام آخر، فإن “حزب الله” يرفض التخلي عن السلاح تحت عنوان مقاومة مع وقف التنفيذ، ويطالب من موقع المهزوم بشروط المنتصر. وإسرائيل ترفض الانسحاب من الأرض التي احتلتها في الحرب الأخيرة، وتلوّح بإكمال الحرب لضرب سلاح “الحزب”. ولبنان عالق بين رفضين يشكلان خطرًا عليه، ومطلوب منه استعادة الأرض التي خسرتها “المقاومة الإسلامية” من دون مساعدته بالتخلي عن السلاح كشرط أميركي وإسرائيلي وعربي لانسحاب إسرائيل. والمعادلة المكررة يوميًا هي: لا تراجع عن قرار مجلس الوزراء بسحب السلاح، ولا تنفيذ بالجملة ولا بالتقسيط. والخوف من تنفيذ القرار هو المشكلة وليس تجنبًا لمشكلة.
و”بمقدار ما تنظر بعيدًا إلى الوراء ترى بعيدًا إلى الأمام” كما قال تشرشل.