الخلاص لا يكون بـ #السلاح : الدولة هي #المقاومة الحقيقية

بقلم بلال مهدي – خاص بوابة بيروت
@BilalMahdiii

مرّة جديدة، يطلّ “حزب الله” ببيانٍ مطوّل يعيد تدوير روايةٍ فقدت صدقيتها منذ زمن، أنّ حصرية السلاح في يد الدولة ليست مطلبًا وطنيًا مشروعًا، بل “مؤامرة” دولية لتجريد لبنان من كرامته. بهذا المنطق، يواصل الحزب مصادرة مفهوم السيادة، وتحويله إلى شعارٍ يبرّر استمرار سلاحه خارج سلطة الدولة، وكأنّ الوطن لا يُصان إلا بوصاية بندقية “الملالي”.

لكن الحقيقة التي لا يمكن تزويرها هي أنّ الخلاص الوطني لا يتحقق إلا عبر استعادة الدولة قرارها، وتطبيق القرارات الدولية التي تكرّس حصرية السلاح بيد الشرعية. لا خلاص عبر الميليشيا، ولا عبر المتاريس الطائفية التي عطّلت قيام الجمهورية لعقود.

البيان الأخير للحزب يصوّر القرارات الدولية، من “1559” إلى “1701”، على أنها أدوات ابتزاز خارجي، في حين أنّها تشكّل الإطار الشرعي الوحيد الذي يحمي لبنان من أن يتحوّل إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات الإقليمية. تنفيذ هذه القرارات ليس خضوعًا لإملاءات الخارج، بل تكريسٌ لسيادة الداخل، إذ لا يمكن لدولة أن تكون سيّدة إذا كان قرار الحرب والسلم فيها بيد تنظيمٍ مسلّح مرتبط بمحورٍ خارجي.

المقاومة لا تكون بتفكيك الدولة

منطق الحزب القائم على “الردّ على خروقات العدو الإسرائيلي” لا يبرّر بقاء السلاح خارج مؤسسات الدولة. فالمقاومة الحقيقية ليست ميليشيا تأتمر من الخارج، بل جيش وطني شرعي، وسلطة قادرة على اتخاذ القرار والدفاع عن الوطن ضمن مؤسسات الدولة، لا ضمن أجنداتٍ تتجاوز الحدود اللبنانية.

الحديث عن السلاح كـ“ضمانة للأمن القومي” هو تضليل سياسي مكشوف. التجربة أثبتت أنّ هذا السلاح كان، في أغلب الأحيان، أداة ابتزاز داخلي، تُستخدم لترهيب الخصوم وتعطيل المؤسسات وفرض الإملاءات السياسية والاقتصادية على الدولة والمجتمع. النتيجة واحدة، اقتصادٌ منهار، مؤسساتٌ مشلولة، وشعبٌ يدفع ثمن “الكرامة المزعومة” من أمنه ولقمة عيشه.

هيمنة على الإعمار لغايات انتخابية

الأخطر اليوم ليس الخطاب بل المسار العملي، المتمثل في “اللقاء التنسيقي نحو إعادة الإعمار”. فالهدف الحقيقي من هذا اللقاء ليس بناء ما دمّره العدوان، بل تكريس هيمنة “الثنائي” على أموال الإعمار وتحويلها إلى أداةٍ انتخابية جديدة.

كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يثق بتمويل مشاريع تمرّ عبر أحزابٍ مدرجة على لوائح العقوبات؟ وكيف تُسلَّم الأموال إلى جهاتٍ دانها العالم بالفساد وتمويل الإرهاب؟ إنّ السماح بذلك سيحوّل الإعمار إلى صفقةٍ سياسية مشروطة، يُبتزّ عبرها المواطن المنكوب ليمنح صوته في انتخابات 2026 مقابل وعدٍ بالتعويض أو المأوى.

تواطؤ الصمت وخطورة الغياب

الصمت المريب من القوى الوطنية والسيادية، والاكتفاء بخطاباتٍ رمادية، هو شكلٌ من أشكال التواطؤ مع من يحتكر التمثيل ويسيطر على المال والسلاح. أين الذين رفعوا شعار “بناء الدولة”؟ وأين الدول التي تتحدث عن “التغيير” و”الحرص على الشيعة”؟

كيف يُسمح بحصر تمثيل الطائفة بمن يحملون السلاح ضد الدولة؟ إنّ هذا السلوك يضرب أساس الكيانية اللبنانية ويعيد إنتاج العهد القديم بثوبٍ جديد، أكثر سطوةً وخطورة.

خارطة طريق إلى الخلاص الحقيقي

الإصلاح الحقيقي يجب أن يبدأ بإعلانٍ برلماني واضح يؤكد حصرية السلاح بيد الدولة، مع وضع جدولٍ زمني لاستيعاب السلاح الميليشياوي أو نزعه تدريجيًا، وتطبيق القرارات الدولية “1559 – 1701” بإشراف الأمم المتحدة.

ويُستكمل المسار بإصلاحٍ شامل للمؤسسات الأمنية وتوحيدها تحت قيادة مركزية مدنية، وإنشاء صندوق إعمار مستقل يخضع لرقابة وطنية ودولية مشتركة، مع منع تمويل الأحزاب المعاقَبة أو تسليمها أي ملف إنمائي أو مالي. كما يجب تفعيل المساءلة القضائية بحق كل من اختلس عبر الزمن أموال الإعمار أو استغلها سياسيًا، ودمج المقاتلين في برامج مدنية ومهنية بإشراف الدولة.

أما على الصعيد السيادي، فيُفترض ضبط الحدود الجنوبية والشرقية بإشراف دولي مؤقت إلى حين استكمال سيطرة الجيش اللبناني عليها، بالتوازي مع حملة إعلامية وطنية تشرح للمواطنين أن الدولة الواحدة هي الضمانة الحقيقية للمقاومة والسيادة. وتُختتم هذه المسيرة بـ انتخابات نيابية حرّة عام 2026 تُجرى تحت رقابة دولية جديّة، تضمن تمثيل الشعب لا تمثيل السلاح.

هكذا فقط يمكن أن يبدأ لبنان رحلة الخلاص من دوامة الميليشيا والوصاية، نحو دولة سيّدة وعادلة، قادرة على حماية مواطنيها وبناء مستقبلهم.

البيانات لا تبني دولًا، ولا السلاح يصنع سيادة

الخلاص الحقيقي للبنان يمرّ عبر الدولة الواحدة والسلاح الواحد، عبر التزامٍ شجاع بالقرارات الدولية، وبناء مؤسساتٍ قادرة على مواجهة “العدو الإسرائيلي” من موقع القانون لا من متاريس الطوائف.

لقد آن الأوان للبنانيين أن يدركوا أنّ معركتهم ليست مع الخارج، بل مع الداخل الذي صادر دولتهم باسم “المقاومة”، ونهب أموالهم باسم “الإعمار”، ودمّر حاضرهم باسم “الكرامة”.

فإمّا دولةٌ سيّدة قادرة وعادلة… أو خرابٌ يُعاد إنتاجه كل مرة تحت شعارٍ مختلف.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com