من “طوفان الأقصى” إلى “حرب الإسناد”… خطاب “حزب الله” يتشبّث بالماضي ليغطي على سقوط مشروعه الوطني

كلام عمار الموسوي : هروب إلى الأمام لتبرير الخراب ومصادرة الدولة باسم المقاومة

خاص بوابة بيروت

عبر مشهدٍ يعيد إنتاج الخطاب الدعائي ذاته منذ عقود، خرج مسؤول العلاقات الدولية والعربية في “حزب الله” عمار الموسوي، في افتتاح الدورة الرابعة والثلاثين للمؤتمر القومي العربي في بيروت، ليلقي بيانًا يتغنّى بالمقاومة ويهاجم “السلام الإبراهيمي”، ويكيل الاتهامات للغرب، متجاهلًا أنّ لبنان لم يعد يحتمل المزيد من المغامرات، وأنّ الناس سئموا من لغة الشعارات التي تُخفي خلفها حقيقةً واحدة وهي خراب الدولة واحتكار القرار.

تحدّث الموسوي عن هرولة قادة الغرب إلى الأراضي المحتلة بعد “طوفان الأقصى”، وكأنّ في ذلك تبريرًا لزجّ لبنان في حربٍ لم يُستشر فيها أحد. فالقرار الذي اتخذه “حزب الله” بالانخراط في ما سُمّي “حرب الإسناد” لم يكن فعل تضامنٍ وطني، بل فعلَ أمرٍ فوق الدولة، تجاوز مؤسساتها، وفرض على اللبنانيين واقعًا من النزوح والدمار والانهيار. أي مقاومةٍ هذه التي تُخاض خارج الشرعية؟ وأي سيادةٍ تُصان بقراراتٍ أحادية لا تمرّ عبر مؤسسات الدولة؟

ثمّ يهاجم الموسوي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويمدّ الخطاب على استقامته في مواجهة “الغرب المتآمر”، في محاولةٍ مكشوفة لإحياء سردية “المظلومية الثورية” التي فقدت بريقها منذ أن تحوّل الحزب من حركة مقاومة إلى سلطةٍ فوق القانون، ومن حاملٍ لقضيةٍ وطنية إلى حاملٍ لمشروعٍ إقليميٍّ يُدار من خارج الحدود.

أما قوله إنّ “الهدف من السلام الإبراهيمي هو ضرب المقاومة”، فمغالطةٌ لا تخفى على أحد. فالمقاومة الحقيقية لا تُضرب من الخارج، بل من الداخل حين تتحوّل إلى أداة تسلّطٍ سياسي وطائفي، وحين تُستخدم لتكميم الأفواه وإسكات المعترضين وتبرير الفساد والانهيار. لقد ضرب “حزب الله” فكرة المقاومة بنفسه، يوم اختزلها في سلاحٍ موجَّه إلى صدور اللبنانيين بدل أن يكون دفاعًا عنهم.

وفي حديثه عن “معركة الإسناد إلى جانب غزة”، يظهر الموسوي وكأنه يُسوّق لانتصارٍ وهميٍّ على حساب وطنٍ منكوب. فالمعركة التي يدّعي خوضها باسم الأمة ليست سوى غطاءٍ لمشروعٍ انتخابي داخلي، يسعى من خلاله “الثنائي الشيعي” إلى شدّ العصب وابتزاز المواطنين المنكوبين عبر معادلةٍ خطيرة وهي “الصوت الانتخابي مقابل التعويض والإعمار”.

ولعلّ أكثر ما يثير السخرية هو امتداحه لمواقف بعض دول أميركا اللاتينية “التي دعمت غزة”، في وقتٍ يُعاني فيه لبنان عزلةً دولية غير مسبوقة بسبب سياسات حزبه، وتورطه في حروب الآخرين، ورفضه الانصياع للقرارات الدولية التي تحفظ سيادة لبنان وحدوده.

أما قوله إن “المقاومة التي أنجبت الشهداء قادرة على إنجاب مثلهم مرة أخرى”، فهو تلويحٌ مستمر بثقافة الموت بدل ثقافة الحياة. فلبنان لا يحتاج إلى مزيد من الشهداء، بل إلى قادةٍ أحياءٍ يصنعون السلام والعدالة ويقيمون دولة القانون والمؤسسات. الشهادة من أجل الوطن قيمة، لكن تحويلها إلى أداة لتكريس الزعامة والهيمنة خيانةٌ لمعناها الأسمى.

إنّ البيان الذي ألقاه الموسوي ليس سوى محاولةٍ جديدة للهرب إلى الأمام، للهروب من مواجهة الأسئلة المصيرية التي يطرحها اللبنانيون اليوم، من دمّر اقتصادنا؟ من صادر دولتنا؟ من يمنع قيام الجمهورية؟ ومن يختبئ خلف شعارات المقاومة ليحمي شبكة مصالحه وسلاحه؟

إنّ استمرار “حزب الله” في هذا النهج الخطير يهدّد ما تبقّى من وحدة لبنان واستقراره. فحين تُختزل السيادة في فوهة بندقية، ويتحوّل القرار الوطني إلى ملحقٍ بمحورٍ خارجي، تسقط الدولة وتسقط معها فكرة الوطن الجامع.

لقد آن الأوان للبنانيين أن يميّزوا بين مقاومةٍ تحفظ الأرض، ومقاومةٍ تُتاجر بالأرض، بين خطابٍ يحمي الدولة، وخطابٍ يبرّر مصادرتها. لبنان لا يُبنى بخطبٍ نارية ولا بشعاراتٍ عقائدية، بل بدولةٍ عادلةٍ سيدةٍ تحتكم إلى القانون والدستور، لا إلى أوامر المحاور.

إنّ من يصرّ على إبقاء لبنان ساحةً للرسائل الإقليمية، لن يورّث أبناءه مجدًا ولا نصرًا، بل وطنًا محطّمًا يبحث في الركام عن معنى وجوده.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com