حالة مرضية لبنانية في علم النفس العيادي… هزيمة ولا انضمام للدولة!
بقلم د. أنطوان مسرّه
هل تتكرّر في لبنان لدى مارونية سياسية وشيعية سياسية “ولا نقول الموارنة ولا الشيعة” مأساة اختبار 13 تشرين الأول 1990؟ في هذا التاريخ تم إنهاء حالة تمرد تجاه الانضمام إلى الميثاق واستعادة الدولة مع الإدراك أن الهزيمة أفضل من الانضمام إلى الدولة.
تخفي سجالات في خطاب السوق عمق حالة مرضية في علم النفس العيادي لدى شيعية سياسية ولدى لبنانيين ما زالوا يمارسون التموضع والتذاكي والتكاذب والمعليشية بشأن الدولة ووظائفها التأسيسية الملكية. تبيّن هذه الحالة انعدام تجذر ذاكرة مشتركة وصدمة نفسية خلاصيه ومناعة وطنية تجاه آلية التكرار mécanique de répétition.
هذا هو عمق تساؤل نجم الهاشم حول “الاجتياح المحتمل و13 تشرين جديدة” – “نداء الوطن، 25/10/2025”.
الحاجة إلى استعادة مساعي وجهود وثبات الرئيس الياس هراوي بعد انتخابه في سبيل استعادة قصر بعبدا بدون الاستعانة بجيش الأسد. ترد هذه المساعي تفصيلاً في كتاب كميل منسى: الياس هراوي: عودة الجمهورية من الدويلات إلى الدولة، دار النهار، 2002، 704 ص.
بعد كل المساعي اضطر الرئيس الياس هراوي مرغمًا إلى الاستعانة بجيش الأسد “مما جعل النظام السوري يمسك برقبة السلطة اللبنانية وعهد الرئيس الياس هراوي ومجلس الوزراء والنواب” (نجم الهاشم). هل نحن ذاهبون إلى “13 تشرين إسرائيلية” بسبب إدراكٍ مرضيٍ نفسي لدى شيعية سياسية، بعد مارونية سياسية، أن الانضمام الطوعي إلى الدولة هو هزيمة؟
بعد إعلان ميثاق الطائف سنة 1989 دعيت إلى حلقة في تلفزيون لبنان في 16 تشرين الثاني 1989 حيث كان التركيز حصرًا في المقابلة على انتهاك السيادة. ان البند المتعلق بالجيش السوري في ميثاق الطائف مصاغ بشكل يجعله غير قابل اطلاقًا للتطبيق! علمت منذ سنوات أنه قيل لبعض المشاركين في الطائف: “هذا البند صاغه الرئيس الأسد بيده ومن يريد تعديله يتصل به شخصيًا”! كان الهدف الأسمى إنهاء حالة الحروب في لبنان باتفاق سوري – إسرائيلي – عربي – عالمي، كما حصل تمامًا في معاهدة Utrecht” 1713″ في هولندا بعد ثلاثين سنة من النزاعات حيث قال أحد الدبلوماسيين للهولنديين: “سنوقع السلم لكم وعندكم وبدونكم”:
Maurice Braure, Histoire des Pays-Bas, PUF, Que sais-je ?, no 490,1974,128 p., p. 71.
وقال غسان تويني، بعد صدور كتابه: حرب من أجل الآخرين، على أثر ميثاق الطائف: وسلم من أجل الآخرين!
لا تتضمن محاضر اجتماعات الطائف شؤونًا جوهرية أبعد مما كان يرد في مختلف وسائل الإعلام، بل على الأرجح وردت ضمانات شفوية، وربما مكتوبة في المحاضر فقط، حول مرحلية الوجود السوري في لبنان! بعدئذٍ كان ممنوعًا مجرد ذكر ميثاق الطائف في أي بيان وزاري، في سبيل النسيان الكامل لموضوع الانسحابات! جاء ذلك في مداخلة مروان حماده في مجلس النواب في 28/2/2005 “أنطوان مسرّه، جذور وثيقة الوفاق الوطني – الطائف، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، سلسلة “وثائق”، رقم 4، 2015، 545 ص”.
تطرح الحالة اللبنانية سنة 2025 معضلة فريدة في أنثروبولوجيا التاريخ والقانون بشأن مختلف أنماط نشوء الدول الذي كان موضوع مؤتمر اليونسكو سنة 1971 وحيث ورد مصطلح البناء القومي بالمواثيق:
Hans Daalder, “La formation des nations par consociatio : Le cas des Pays-Bas et de la Suisse», Revue internationale des sciences sociales, Unesco, XXXIII (3), 1971, pp. 384-389
وتعريب افلين أبو متري مسرّه، البناء القومي بالمواثيق، المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، سلسلة “وثائق”، رقم 62، 2016، ص 12-26.
استعمل تعبير consociatio أو توافق في ما يتعلق بالمرحلة التأسيسية للدولة كما حصل في إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920.
إن الانضمام إلى دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920 هو في انسجام مع السياق العالمي المقارن في البناء القومي ونشوء الدولة، ليس بالقوة بل بالمواثيق أو “التعهدات الوطنية” حسب تعبير إدمون رباط. منذ ذلك التاريخ لم يعمل على معالجة رواسب في علم النفس التاريخي psychohistoire في مثاقفة الدولة. تنبع كوارث لبنان ليس من أحزاب تاريخية لبنانية عريقة تعرف حدودها “الكتائب، التقدمي الاشتراكي، الأحرار، القوات اللبنانية، أمل، المستقبل، بيت الوسط…”، بل من اثنين أو ثلاثة بيوتات سياسية جديدة بخاصة منذ 2016 بدعم من قوات احتلال مباشر أو بالوكالة نقيضًا لتراث عريق في الدفاع عن الاستقلال.