بقلم رفيق خوري
على طريقة لينين جاءت رسالة “حزب الله” المفتوحة إلى رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة واللبنانيين. وعلى الطريقة اللبنانية جاءت قراءتها الرسمية وتنوعت قراءاتها الشعبية. قائد الثورة الشيوعية التي ذهبت بها وبالاتحاد السوفياتي سلطة الحزب المغلقة في ممارسة الديكتاتورية باسم البروليتاريا كان يقول: “إضرب الجدار بليونة، فإذا وجدته صلبًا تراجع، وإذا وجدته لينًا إضرب بقوة”. و”حزب الله” عمل بليونة منذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في الخريف الماضي لحسابات إقليمية وأخرى في ظل الخطاب القوي للسلطة، ثم بدأ يتشدد تدريجيًا في الموقف من حصرية السلاح وقرار سحبه عندما تأكد من رخاوة الموقف الرسمي، ودقت ساعة التصلب في الموقف الإيراني.
وليست الرسالة سوى تعبير عن الموقف الحقيقي لإيران و”الحزب”، بصرف النظر عن إمكانات السير في الاتجاه المعاكس للتحولات في المنطقة. موقف إملاء القرارات على مجلس الوزراء ضد التفاوض مع العدو. ضد استعادة الدولة قرار الحرب والسلم. مع العودة إلى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة على الرغم من أن “الحزب” خاض “حرب الإسناد” لغزة وشارك في حرب سوريا دفاعًا عن نظام الأسد من دون أي رأي للجيش والسلطة الرسمية والشعب. ومع إعطاء الحق لنفسه في تكرار الأخطاء القاتلة للبلد والشعب، من “حرب الإسناد” التي كانت غلطة استراتيجية إلى أية حرب أخرى ستكون غلطة أكبر.
ذلك أن المسألة ليست قصة تفاوض أو لا تفاوض. ولا هي مواجهة تتولاها الدولة وحدها أو تشاركها “المقاومة الإسلامية”. المسألة هي كيف نستعيد الأرض المحتلة حيث لا بد من التفاوض بعدما قادت “حرب الإسناد” إلى احتلال ما كان محررًا من أرض الجنوب. وهي أن التحولات التي قادت إليها حرب غزة وحرب لبنان وحرب إيران وسقوط نظام الأسد وضعت نهاية للمقاومة والسلاح خارج الشرعية. وهي أيضًا أن إعادة إعمار ما دمرته الحرب تحتاج إلى التأكد من أن لعبة الحرب انتهت وأنه لا مجال لإعادة التسلح ولا لبقاء السلاح ولا للرهان على استمرار حال الحرب من أجل الأهداف الإقليمية للجمهورية الإسلامية في إيران.
ومن هنا الحاجه إلى القراءة في ما يتخطى نص الرسالة. ففي أي استعداد لمواجهة اعتداء أو لتحضير المسرح من أجل حرب يركّز كلازفيتز في كتاب “عن الحرب” على “أهمية الهدف السياسي”. فما هو الهدف السياسي لـ “حزب الله” من وراء الحفاظ على السلاح والاحتفاظ بالحق في المقاومة؟ إذا كان الهدف هو حماية لبنان، فإن التجربة في الحرب الأخيرة أكّدت عجز “الحزب” عن حماية نفسه وبيئته قبل حماية لبنان وإذا كان الهدف خدمة المشروع الإقليمي الإيراني، فإن المشروع نفسه تعرض للانحسار على طريق النهاية، وكل ما قيل عن “وحدة الساحات” و”محور المقاومة” بقيادة طهران تكشف عن واقع مختلف في ظل وقائع متباينة. ولا مهرب من دروس الحكمة الصينية القائلة: “إبحث عن الحقيقة في الوقائع”. والوقائع ناطقة.
والمفارقة أن إسرائيل هي التي تعمل مع أميركا على حرب تمتد من غزة إلى طهران مرورًا ببيروت وبغداد وصنعاء، وبالتالي فإنهما تربطان “ساحات” لم تعد مترابطة ولا مربوطة بغرفة عمليات واحدة في طهران. لا بل إن واشنطن تعلن بوضوح أنه “لا يمكن السماح لإيران و”حزب الله” بإبقاء لبنان في الأسر وستواصل الولايات المتحدة استخدام كل الوسائل المتاحة لضمان ألّا تشكل هذه الجماعات الإرهابية تهديدًا للشعب اللبناني أو المنطقة”. والمصلحة الوطنية للبنان هي في أن يكون جزءًا من التغيير الذي تحدثه التحولات الهائلة.
وليس أخطر من أن يفرض “حزب الله” موقفه على مجلس الوزراء سوى دفع لبنان إلى السير في الاتجاه المعاكس للتحولات في المنطقة. فالثمن كبير جدًا. والخطر وجودي. والصدام أقل خطورة من “الستاتيكو” الذي يوحي أن كل شيء هادئ، في حين أن كل شيء يدفع لبنان إلى العزلة والفقر واللبنانيين إلى الهجرة.
و”الخوف من السيئ يوقعنا في الأسوأ” كما يقول مثل لاتيني.