الثورة في الإعلام

خاص بوابة بيروت

في تلك الأيام التي اشتعلت فيها الساحات من أقصى الشمال إلى الجنوب، كان لبنان يغلي.

هتافات، وجوه غاضبة، وأحلام بوطنٍ جديد تُولد من بين دخان الإطارات وصدى الأغاني الثورية.

لكن وسط هذا الزخم الكبير، كان سؤال واحد يتردّد في أذهان الجميع: من سينقل صوت الناس كما هو، بلا تزييف ولا تجميل؟

فالقنوات الكبرى، رغم شاشاتها اللامعة، كانت أسيرة المموّلين والأحزاب.

كل خبرٍ كان يمرّ عبر مصفاة السياسة، يُعاد ترتيبه ليناسب مصالح أصحاب السلطة والمال.

أما الحقيقة، فكانت تضيع بين العناوين المدروسة والتقارير المنتقاة بعناية.

وهكذا وُلدت الفكرة…

فكرة إعلام ثوري حرّ، يخرج من رحم الساحات لا من مكاتب الزعماء.

ومن هنا انطلقت مبادرة تلفزيون الثورة، بمشاركة الإعلاميتين ماتيلدا فرج الله وغادة عيد.

كانت البداية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحماس كبير وأحلام أكبر، لكن ضعف الإدارة وسوء التمويل أوقف الزخم وأفقد المشروع قدرته على الاستمرار.

ورغم كل شيء، بقيت رسالته الأولى صافية: أن يُسمع صوت الناس كما هو.

لكن الحلم لم يمت.

بعد فترة، ظهرت مبادرة أخرى تحمل الأمل نفسه: تلفزيون ١٧.

كان بتمويل ذاتي من السيدة دعد رعد، وبمساندة مجموعة من الإعلاميين الأحرار، من بينهم أمل أبو فرحات.

كانت المغامرة جريئة، لكن الحلم كان واضحًا — نقل الحقيقة من الميدان إلى كل بيت، وكسر احتكار الخبر.

وسرعان ما ارتبط “تلفزيون ١٧” عبر القمر الصناعي عرب سات، ليصل صوته إلى اللبنانيين المنتشرين في أنحاء العالم.

هناك، خلف الشاشات البعيدة، شعر كثيرون أن الثورة وجدت أخيرًا منبرها الحرّ، وأن الحقيقة استعادت بعضًا من ضوءها.

لكن الطريق لم يكن سهلاً.

ضعف التمويل والضغوط حالت دون استمرار الزخم، وبقي الإعلام التقليدي “المسنود بالمال والنفوذ” أكثر قدرة على البقاء.

ورغم كل ذلك، سيبقى تلفزيون الثورة وتلفزيون ١٧ شاهدين على مرحلةٍ حاول فيها اللبنانيون أن يستعيدوا إعلامهم، وأن يصرخوا في وجه العالم، نحن الحقيقة… ولسنا روايتها المزوقة.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com