بقلم مروان الأمين
يتبع “حزب اللّه” نهجًا قائمًا على تكرار المغالطات في خطابه السياسي والإعلاميّ، حتى تتحوّل هذه المغالطات بمرور الوقت إلى ما يشبه المسلّمات الراسخة في الوعي العام، تُستحضر تلقائيًا عند تناول قضيّة معيّنة.
هذه الاستراتيجية ليست جديدة، إذ سبق أن اعتمدها نظام الأسد، فتمكّن من ترسيخ مجموعة من المفاهيم والمقاربات السياسية، حتى بات يتبناها ويردّدها بعض خصومه أيضًا.
منذ انتهاء الحرب، يواصل “حزب اللّه” تكرار سلسلة من المغالطات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، ولا سيّما في ما يتصل بمضمونه وآليات تنفيذه. أبرز تلك المغالطات ما يردّده بإصرار من أن الاتفاق يحصر نزع السلاح في جنوب نهر الليطاني فقط، وهي رواية لا يكاد يخلو منها خطاب أو بيان أو مقابلة أو مقال صادر عن “الحزب” وعمّن يدور في فلكه.
غير أن نصّ الاتفاق واضح وصريح، إذ ينصّ على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها، ويحدّد الجهات المخوّلة بحمله، وهي: الجيش، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة، الجمارك، وشرطة البلدية. وبالتالي، فإن أيّ سلاح خارج هذه الأطر الرسميّة يُعدّ مخالفًا للاتفاق. نعم، ينبغي تكرار هذا الجزء من الاتفاق للتأكيد عليه، كي لا يتحوّل التشويه المتعمّد من قبل “الحزب” إلى مُسلّمة.
يعمل “حزب اللّه” على ترويج مغالطة أخرى تُعدّ أكثر خطورة، وتجاريه السلطات الرسمية في تبنيها، مفادها أنه ملتزم باتفاق وقف إطلاق النار، بينما تنفرد إسرائيل بخرقه. وهذا غير صحيح، لأن استمرار “الحزب” بالحفاظ على بنيته العسكرية والأمنية، ورفضه تسليم سلاحه شمال الليطاني وجنوبه، يشكّلان خرقًا جوهريًا لاتفاق وقف إطلاق النار.
هذه المغالطة التي يصرّ “الحزب” على تكرارها تُستخدم لتبرير تمسّكه بسلاحه، فيما تذهب الجهات الرسمية اللبنانية إلى مجاراته في هذا الخطاب، سواء للتغطية على عجزها في فرض سيادتها، أو لتبرير تقاعسها في تنفيذ التزاماتها. والنتيجة أن لبنان يجد نفسه مجددًا في مرحلة شديدة الخطورة تشبه إلى حدّ كبير تلك التي سبقت اندلاع حرب أيلول 2024، وسط تحذيرات متزايدة من جهات دولية، ولا سيّما أميركية، من عودة الحرب، مقابل استمرار التعاطي الرسمي والحزبي بالذهنية ذاتها التي طبعت تلك المرحلة، أي المزيد من الاستهتار والمسايرة من جانب الدولة والمكابرة من جانب “حزب اللّه”.
كما يسعى “حزب اللّه” إلى ترسيخ مغالطة أخرى، بحيث يعمل على تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية حماية الجنوب وإعادة الإعمار، في محاولة واضحة للتغطية على عجزه العسكري أمام إسرائيل، وعلى فشله في الوفاء بوعوده للناس بإعادة إعمار ما دمّرته الحرب التي تسبّب هو فيها. لذلك، يجب قول الحقيقة بشكلٍ متكرّر لإسقاط هذه السردية. إن دور الدولة ومسؤوليتها الفعلية لا يبدآن إلّا في اليوم الذي يُسلِّم فيه “الحزب” سلاحه إلى الشرعية اللبنانية، وتستعيد المؤسسات الدستورية كامل سلطتها على الأرض وقرار الحرب والسِّلم.
أمّا في ظلّ استمرار “الحزب” في احتفاظه بترسانته العسكرية، فستبقى الدولة اللبنانية، ومعها الجيش ودبلوماسيتها، في موقع الضعيف والعاجز، وستظلّ مشاريع إعادة الإعمار وهمًا بعيد المنال، مهما تعدّدت الوعود وتكاثرت المبادرات.
بقدر ما يُصرّ “حزب اللّه” على تكرار المغالطات وفرض سرديّاته، ينبغي على القوى السياسية والرأي العام والإعلام اللبناني الإصرار بالمقابل على تكرار قول الحقيقة، وبكثافة كبرى، حتى لا يتحوّل التزييف إلى واقع، ولا تُشوّه الحقائق لغايات لا تخدم إلّا “حزب اللّه” على حساب المصلحة اللبنانية.