النفاق السياسي في ثوب “#المقاومة” : حين تُقصي السلطة اللبنانيين #المنتشرين باسم السيادة

بقلم بلال مهدي – خاص بوابة بيروت
@BilalMahdiii

لم يعد النفاق السياسي في لبنان بحاجة إلى قناعٍ جديد. فبيان كتلة “الوفاء للمقاومة” الأخير جاء نموذجًا صارخًا لمحاولة تغليف مشروعٍ سلطوي بعباراتٍ وطنية جوفاء، إذ يُعاد تسويق الخطاب ذاته الذي يضع كل اللبنانيين خارج عباءة الولاء للمقاومة في خانة “الانقلابيين” و”المتآمرين”، بينما يختبئ أصحابه خلف شعارات “السيادة” و”الوطنية” التي صارت تُستهلك بلا معنى.

منذ متى أصبح الدفاع عن حق اللبنانيين المنتشرين في المشاركة في الانتخابات “انقلابًا على الصيغة الوطنية”؟ أليس المنتشرون أبناء الوطن الذين يضخّون المال في اقتصاده، ويُعيدون الأمل إلى عائلاتهم عبر تحويلاتهم التي تبقي عجلة الحياة في الداخل دائرة؟ أليسوا الوجه المشرق للبنان في العالم، سفراء لقيمه وثقافته وانفتاحه؟

محاولة تصوير مشاركتهم السياسية على أنها مؤامرة خارجية ليست سوى إهانة لعقول الناس، ومحاولة مكشوفة لإقصاء الشريحة الأكثر استقلالًا وحريةً في التعبير عن إرادتها، بعيدًا عن سطوة السلاح وابتزاز الترهيب الذي يخنق الداخل.

ما تحاوله الكتلة هو إعادة إنتاج سردية “الوصاية الوطنية” التي تخوّل فصيلًا واحدًا احتكار القرار السياسي والعسكري والاقتصادي باسم المقاومة. لكن اللبنانيين، في الداخل والاغتراب، باتوا يدركون أن هذه السردية لم تعد تحمي أحدًا، بل تحمي منظومة فقدت صدقيتها، وتستغل كل مناسبة وطنية لتثبيت سيطرتها، حتى على حقّ الناس في الاختيار.

يتحدث البيان عن “حماية السيادة” بينما السلاح غير الشرعي هو الذي صادرها منذ عقود. ويتباكى على “العيش المشترك” فيما يمارس سياسة الإقصاء والتخوين ضد كل من يخالفه الرأي. ويُهاجم الخارج بحجة “الوصاية”، فيما يعيش الداخل تحت وصاية فصيلٍ واحد يفرض منطقه على الدولة ويمنعها من بسط سلطتها على أراضيها.

أما القول إنّ “الانتخابات المقبلة يجب أن تُجرى وفق القانون النافذ”، فهو في الحقيقة دعوةٌ لجمودٍ مدروسٍ يضمن استمرار موازين القوى الراهنة. فالرفض لأي تعديلٍ يوسّع المشاركة ويكرّس تمثيل المغتربين يكشف عن خوفٍ من صوتٍ حرّ لا يمكن السيطرة عليه.

لبنان لا يُختصر بحدود الجغرافيا، ولا يُحكم من غرفةٍ مظلمةٍ في “طهران”، بل من إرادة أبنائه المقيمين والمنتشرين في العالم الذين ما زالوا، رغم البعد، يحملون وجعه في قلوبهم.

لقد ملّ اللبنانيون من هذا الكذب المتواصل ومن المتاجرة باسم “المقاومة” لتبرير الفشل والفساد وتعطيل الدولة. ما يُمارس اليوم ليس دفاعًا عن لبنان، بل دفاعٌ عن منظومة تقتات من الأزمات وتعيش على وقع الشعارات.

إنّ حرمان المنتشرين من حقّهم في المشاركة السياسية ليس فقط مخالفة للدستور، بل جريمة أخلاقية بحق وطنٍ قامت نهضته على انفتاحه على العالم. والذين يتحدثون عن “الكرامة والسيادة” بينما يخشون صندوق اقتراعٍ في سيدني أو باريس أو مونتريال، هم آخر من يحقّ لهم التحدّث عن الوطنية.

وفي النهاية، سيبقى صوت اللبنانيين الأحرار، في الداخل كما في الانتشار، هو الكلمة الفاصلة بين وطنٍ يُراد له أن يُدار بعقلية الوصاية، ولبنانٍ جديدٍ حرٍّ لا مكان فيه للنفاق ولا للسلاح خارج الدولة.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com