عندما يطمئن قاسم المستوطنات

بقلم أسعد بشارة

لعلّ أبرز ما في كلمة نائب الأمين العام لـ “حزب الله” نعيم قاسم، ليس ما قاله عن الميدان، بل ما أوحى به من رسائل اطمئنان مضمونة الوصول إلى المستوطنات الإسرائيلية. والمفارقة أن أحدًا لم يتهمه بالصهينة، رغم أن مضمون كلامه يكاد يكون ترجمة حرفية لمعادلة “الأمن على الجانبين”.

من الواضح أن “الحزب”، بعد الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه في حرب “الإسناد” لغزة، يحاول إعادة التموضع كحارس حدود حسن السلوك، يقدّم نفسه مجددًا كضامن للهدوء جنوبًا على أمل استعادة الرضى الأميركي والدولي. لكن ما فات قيادة “الحزب” أن ما بعد السابع من تشرين ليس كما قبله، وأن البيئة السياسية التي سمحت سابقًا باستمرار معادلة السلاح تغيّرت جذريًا.

قرار نزع السلاح لم يعد شعارًا محليًا بل أصبح توجهًا دوليًا وعربيًا واضحًا. لم تعد تصح معايير المرحلة السابقة التي قامت على فائض الشعارات وبهرجة “المقاومة” في الداخل وفي الساحات السورية خدمة لبقاء نظام الأسد. اللعبة تبدّلت، والمنطقة تُعاد صياغتها على قاعدة ضبط الميليشيات، لا مهادنتها.

اليوم، يحاول “حزب الله” أن يتعامل مع هذا التحوّل الكبير بالأدوات القديمة نفسها: خطاب مزدوج، ووعود ضبط للنار مقابل الاحتفاظ بالسلاح شمال الليطاني. لكن خطته هذه لن تبصر النور، لأن المطلوب ببساطة هو نزع السلاح لا تكريسه.

الوقائع تتقدّم على الأوهام. والرهان على العودة إلى دور “الضابط المسؤول” عن حدود لبنان الجنوبية وهم جديد بلون قديم. فالدول الكبرى والعرب معًا لم يعودوا يقبلون بوجود دولة داخل الدولة. وما بين طمأنة المستوطنات ومحاولة كسب الوقت، يبدو “الحزب” وكأنه يعلن بنفسه انتهاء المرحلة التي كان فيها لاعبًا فوق الجميع.

في النهاية، من يظن أن بإمكانه طمأنة العدو وابتزاز الدولة في آن، لا يدرك أن الموازين انقلبت، وأن ما كان يُدار بالسلاح سيُدار من الآن فصاعدًا بالقرار.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com