شباب #الثورة يثورون لإيقاف #سد_بسري

بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam

كانت الحكاية تشبه الأسطورة…

في قلب لبنان، بين تلال الشوف والجنوب، يمتدّ وادي بسري كقطعة من الجنة، وادٍ أخضر يتنفس التاريخ، يروي قصص أشجار الصنوبر والسنديان التي شهدت مرور آلاف السنين، وتغفو على ضفافه أسراب العصافير والغزلان والفراشات. هناك، كان الهواء نقيًّا لدرجةٍ تشعر معها أنّك تعود طفلًا، وأنّ الطبيعة تُعيد إليك صفاء القلب قبل أن تلمس الأرض.

لكنّ هذا الجمال كان مهدّدًا بالزوال…

في خريف الثورة اللبنانية، وبين هتافات الشباب في ساحة الشهداء، وُلدت فكرة جديدة: أن تتحوّل الثورة من الساحات إلى الجبال، من الأصوات إلى الأفعال.

مجموعة من الشباب الثائرين، مؤمنين بأنّ حماية الأرض لا تقلّ أهمية عن محاربة الفساد، قرّروا التوجّه إلى وادي بسري حيث بدأت الجرافات تنخر الأرض لبناء سدٍّ ضخم كان يُفترض أن يمدّ بيروت بالماء.

لكن الحقيقة كانت مختلفة.

كان المشروع، كما تبيّن لاحقًا، صفقة فاشلة بمئات ملايين الدولارات، تهدّد بإزالة واحدة من أغنى المحميات الطبيعية في لبنان، وتحويلها إلى حفرة إسمنتية تبتلع أشجار السنديان النادرة، وتخنق الحياة البرية التي تسكن هناك منذ آلاف السنين.

المواجهة الأولى

وصل الشباب إلى الوادي، نصبوا خيمهم، ورفعوا أصواتهم بالحقّ.

كانت مجموعة “أرضنا” البيئية في الطليعة، يقودها الناشط بول أبي راشد، يسانده الصحافي سعادة سعادة، وعدد من شباب الثورة، أذكر منهم المرحوم أحمد غنّام، وربيع الشمالي، وخليل دني.

كانت أيامًا صعبة، واجهوا فيها محاولات القمع، والضرب، والتهديد. لكنهم صمدوا.

بإيمانهم، وبعزمهم، وبمؤازرة النائبة بولا يعقوبيان التي أمّنت لهم المواد والمستلزمات الضرورية، تابعوا المبيت في الغابة لأسابيع.

كنتُ هناك معهم، أتابع وأساهم بما أستطيع. أرسلت إليهم معلّبات ومواد غذائية طبيعية صنع لبنان، ورأيت في عيونهم شيئًا لم أره من قبل… إصرار على حماية وطنهم كما لو كان بيتهم.

نقطة التحوّل

شيئًا فشيئًا، بدأ صوتهم يعلو…

الإعلام بدأ يتحدث عنهم، والرأي العام بدأ يلتفت.

ثمّ جاءت المفاجأة: الوزير السابق والنائب وليد جنبلاط أعلن اقتناعه بعدم جدوى المشروع وخطورته البيئية.

كانت تلك لحظة مفصلية.

بدأت موجة دعم واسعة من كل المناطق، بدعوة عبر المجموعات من الثائر هيثم عربيد، والمرحوم الدكتور فؤاد غزيري، ومجموعات بيئية وثوّار من بيروت وجبل لبنان والجنوب.

اجتمعوا جميعًا في الوادي، حيث ألقى الدكتور فؤاد غزيري كلمة مؤثرة، وتحوّل اللقاء إلى احتفال حقيقي بالحياة.

حين قرعت الأجراس

في ذاك اليوم التاريخي، قرعت أجراس الكنيسة القريبة من موقع السد، إعلانًا لرفض المشروع.

اختلط صوت الأجراس مع هتافات الشباب، ومع خرير المياه في النهر الذي كان يتلو صلاة الحرية.

وانتصروا.

توقّف المشروع، وانقذ وادي بسري من الكارثة.

ماذا لو لم يتحركوا؟

لو لم يتحرك أولئك الشباب، لكانت اليوم مياه الوادي غارقة في الإسمنت، والطيور رحلت، والأشجار اقتُلعت، والهواء النقي تحوّل إلى غبار.

لكان لبنان خسر محمية عمرها آلاف السنين، وجزءًا من ذاكرته الطبيعية والروحية.

لكنهم لم يسمحوا بذلك.

لقد كتبوا صفحة مضيئة في تاريخ النضال البيئي، وأثبتوا أنّ الثورة يمكن أن تكون أيضًا ثورة من أجل الأرض، من أجل الأشجار، من أجل الجمال.

هكذا انتصر شباب لبنان على مشروعٍ حاول أن يسرق منّا طبيعتنا باسم التنمية.

انتصارهم لم يكن فقط إيقاف سدٍّ، بل كان إعلانًا بأنّ لبنان لا يزال حيًّا، وأنّ حبّ الأرض أقوى من كل فساد.

وادي بسري اليوم ما زال يتنفّس الحرية، وأشجاره تهمس بأسماء أولئك الذين وقفوا في وجه الجرافات وقالوا: “لن تمرّوا.”

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com