بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam

كاتب وناشط سياسي
منذ سنوات طويلة، كانت بيروت تختنق تحت وطأة التجاوزات والصفقات المشبوهة التي حيكت في الظل، بعيداً عن أعين القانون والرأي العام. واحدة من أبرز هذه الملفات كانت تتعلق بالتعديات البحرية في مشروع “الأيدن باي”، الذي تحوّل إلى رمز للفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ولتغوّل بعض النافذين الذين استباحوا الأملاك العامة لمصالحهم الخاصة.
الأيدن باي… رمز الفساد البحري
ورغم صدور عدة أحكام قضائية واضحة تتحدث عن المخالفات والتعديات على الشاطئ، استطاع السيد وسام عاشور، المعروف بقربه من دوائر النفوذ السياسي وكونه “الصهر السابق” للرئيس نبيه بري، أن يستمر في مشروعه، بل ويفتتح الفندق بضغط من معارفه وأصدقائه، وعلى رأسهم محافظ بيروت القاضي زياد شبيب.
لكنّ ما جرى لم يكن مجرد مخالفة عقارية أو بيئية عابرة، بل كان اعتداءً سافراً على المدينة وأهلها. فقد أدّى التغيير الذي حصل في مسارات المياه والصرف الصحي بفعل المشروع، إلى فيضانات متكرّرة عند كل هطولٍ للمطر على شاطئ الرملة البيضاء.
ولمعالجة هذه الكارثة، لجأ المحافظ آنذاك إلى تحويل مياه الأمطار نحو الشاطئ نفسه، ما جعل الشاطئ المجاني الوحيد المتاح لأهالي بيروت يتحوّل إلى مستنقع ملوّث عند كل شتوة، في مشهد يُجسّد استهتار السلطة بحقوق الناس وكرامتهم.
شكاوى ومحاولات لكشف الحقيقة
أمام هذه الوقائع، لم يقف الناشطون والمحامون مكتوفي الأيدي. فقد تقدّم المحامي علي عبّاس بعدد من الشكاوى القضائية ضد المحافظ زياد شبيب، متناولاً عدة ملفات تجاوزات وتعديات موثّقة. وحتى اليوم، لا تزال هذه الدعاوى قائمة أمام القضاء رغم مغادرته المنصب منذ سنوات.
وفي خضم ثورة ١٧ تشرين، التي شكّلت منعطفاً تاريخياً في وعي اللبنانيين، تحركت مجموعة من محامي الثورة ورفعت شكاوى متتالية إلى وزارة الداخلية والمرجعيات الدينية والأمنية، مطالبة بإقالة المحافظ وفتح ملفاته.
وكانت ولاية شبيب قد شرفت على الانتهاء، وكانت النية تتجه “بدعم من المرجعية الدينية التي تسانده” إلى تجديد ولايته وتمديد وجوده في المنصب.
ثوّار بيروت يقفون بالمرصاد
لكن ثوار بيروت لم يسكتوا. فقد تظاهروا أمام وزارة الداخلية واذكر منهم العميد المتقاعد خالد جارودي و الكابتن نزيه الريس والسيدة عفت ادريس شاتيلا ومنيب كنج والصحفي سعاده سعاده والمرحوم الدكتور فؤاد غزيري وشفيق بدر وغيرهم الكثير من اصحاب النخوة مطالبين بعدم التجديد له، وأرسلوا وفداً لشرح تفاصيل الملف للوزير المعني، مبرزين بالأدلة كيف ساهمت قرارات المحافظ في الإضرار بالمصلحة العامة وبالبيئة الساحلية للعاصمة.
لقد كان لتلك التحركات أثر مباشر في تغيير مسار الأمور داخل أروقة القرار، فتمّت إعادة النظر في خيار التجديد، وفتحت الطريق أمام تعيين محافظ جديد هو القاضي مروان عبود، الذي اعتبره الكثيرون وجهاً قضائياً نزيهاً ومختلفاً، جاء كإشارة أمل في مرحلة كانت بيروت بأمسّ الحاجة إلى صوت شريف يدير شؤونها.
هكذا، أثبتت الثورة مرة جديدة أنّ صوت الناس، إذا توحّد، قادر على كسر جدار الفساد والمحسوبيات، وأنّ العدالة يمكن أن تجد طريقها حتى في أكثر الأنظمة تعقيداً وظلماً.
لقد خرج المحافظ السابق زياد شبيب من السلطة، وارتفعت مكانه كفاءة قاضٍ معروف بنزاهته، في خطوةٍ تمثّل انتصاراً صغيراً لبيروت، المدينة التي لم تتوقف يوماً عن الحلم بوطنٍ يُحكم بالقانون لا بالمصالح.