بقلم سعيد مالك
يفترض أن يشهد هذا الأسبوع، إحالة مشروع قانون الحكومة المُعجّل إلى مجلس النوّاب. ويُفترض أن يتخذ رئيس المجلس موقفًا من هذا المشروع، إمّا أن يتخذ موقفًا بإبقائه في الأدراج. وإمّا أن يتخذ موقفًا بإحالته إلى اللجان سندًا للمادة 106 من النظام الداخلي لمجلس النواب. وإمّا أن يدعو إلى جلسة هيئة عامة لطرحه وتلاوته والقرار بشأنه، سندًا للمادة 105 من النظام.
وعملًا بواقع الحال، ونظرًا لضيق الوقت، وتسهيلًا لعمل الحكومة في إجراء الانتخابات. يُفترض على رئيس المجلس دعوة مجلس النواب إلى هيئة عامة، لِطرح المشروع وتلاوته ومناقشته والتصويت عليه. لكن ما صار تسريبه من أوساط رئيس المجلس، أن هذا الأخير سيحيله إلى اللجنة الفرعية المُنبثقة من اللجان المشتركة، وسيضُمّه إلى باقة الاقتراحات المُكدّسة والمُتراكمة.
يهدف الرئيس برّي مِن قرار إحالته إلى اللجنة الفرعية، عرقلة عمل الحكومة في إنجاز الاستحقاق الانتخابي وإتمامه. مما سيؤدّي إلى نَسف العملية الانتخابية برُمّتها، وتطيير هذا الاستحقاق مِن أساسه.
فالحكومة أعلنت صراحةً أنها عاجزة عن إنجاز الاستحقاق في الربيع المُقبل، دون إجراء تعديلات على قانون الانتخابات. لذلك، اقترحت وأعدّت مشروع قانون مُعجّلًا يقضي بتعليق العمل ببعض المواد، وتعديل البعض الآخر مِن قانون الانتخابات العامة، وإحالته إلى المجلس النيابي للإقرار.
وبالتالي، كان يقتضي على رئاسة المجلس النيابي التجاوب مع رغبة الحكومة في تعديل القانون وتعليق بعض مواده. حتى لا تُعرقل عمل الحكومة، مما يتناقض مع أحكام الدستور واجتهاد المجلس الدستوري المُستمر والمُستقر بهذا الاتجاه.
نصّت مقدّمة الدستور وتحديدًا الفقرة “هـ” منها على أن النِظام اللبناني قائم على الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها. والمقصود بالتعاون أي عدم عرقلة أي سلطة عمل أي سلطة دستورية أُخرى، وهذا ما جاء في القرار الصادر عن المجلس الدستوري رقم 1/2005 تاريخ 6/8/2005 موضوع مقالتنا السابقة.
وأكثر مِن ذلك، ذهب المجلس الدستوري أبعد من ذلك، أي أبعد مِن ضرورة عدم تعطيل سلطة دستورية عمل سلطة دستورية أُخرى. إنما ذهب باتجاه فرض التعاون بين السلطات.
بتاريخ 22/5/2025 صدر القانون رقم 7/2025 في الجريدة الرسمية، والمتعلّق بتسوية أوضاع مُفتشين في الأمن العام. وبتاريخ 26/5/2025 قدّم رئيس الجمهورية مراجعة طعن بالقانون المذكور أمام المجلس الدستوري، تسجّلت تحت رقم مراجعة 7/2025. وبتاريخ 13/6/2025 أصدر المجلس الدستوري قراره النهائي في المراجعة المذكورة حمل الرقم 12/2025. حيث جاء فيه ما حرفيّته:
“حيث أن الدستور حدد صلاحية كلّ مِن السلطات الثلاث…”
وحيث أن التوازن بين السلطات يعني التزام كل سلطة حدود صلاحياتها…”
وحيث أن التعاون بين السلطات يعني تسهيل كلّ سلطة عمل السلطة الأُخرى، وعدم عرقلة عملها…”
مما يعني، أنه يفترض وسندًا لاجتهاد المجلس الدستوري، ليس فقط عدم تعطيل أي سلطة دستورية عمل أي سلطة دستورية أُخرى… كذا. إنما ذهب أبعد من ذلك، بفرض التعاون بين السلطات، وبفرض التسهيل بين السلطات وعدم العرقلة.
كل ذلك لنؤكّد، أنّ تصرُّف الرئيس برّي في إحالة مشروع القانون المُعجّل إلى اللجنة الفرعية يأتي في سياق التعطيل وشلّ عمل الحكومة، وعدم التعاون، وعدم التسهيل، والعرقلة الثابتة والأكيدة. مما يجعل قراره مشوبًا بِعيب دستوري فاضح وواضح.
ونعود ونرفع الصوت إلى رئيس الدولة، المؤتمن على الدستور وأحكامه. ونُناشده التحرُّك قبل فوات الأوان، وقبل أن تُصبِح الانتخابات النيابية المُرتقبة في الربيع المُقبِل في “خبر كان”. فالدستور أجاز له حق توجيه الرسائل إلى المجلس النيابي حين تقتضي الضرورة. وعن أي ضرورة تكلّم الدستور، إن لم تَكُن شبيهة بما نشهده مِن تجاوز وإطاحة؟