خاص بوابة بيروت

كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
وفقاً للتقارير الرسمية، فإن إحصائيات الانتحار المؤدي إلى الوفاة بين المساعدين الطبيين المتخصصين (المقيمين) في إيران مقلقة للغاية. فقد أعلن رئيس الجمعية العلمية للأطباء النفسيين في إيران، استناداً إلى إحصائيات منظمة النظام الطبي، أن ١٦ مساعداً طبياً أقدموا على الانتحار المؤدي إلى الوفاة خلال العام الماضي.
وتشير أبحاث الجمعية النفسية إلى أن معدلات الانتحار في المجتمع الطبي الإيراني زادت بمقدار ٣.١ إلى ٥ أضعاف في السنوات الماضية. كما وصف رئيس المجلس الأعلى للنظام الطبي إحصائيات الانتحار بين المقيمين بأنها «مقلقة» و «معضلة هامة للمجتمع الطبي». وفي حين تعتبر وزارة الصحة الإحصائيات الأكثر دقة سرية، فإن خطر الانتحار بين الأطباء عالمياً يُبلغ عنه أيضاً بأنه أعلى منه في المهن الأخرى. وقد أعلنت منظمة النظام الطبي أن الانتحار بين المساعدين المتخصصين يزيد بمقدار ٣ إلى ٥ أضعاف مقارنة بالمجموعات الاجتماعية الأخرى.
ضغوط هيكلية من النظام وإجهاد وظيفي
إن وضع المساعدين الطبيين في النظام التعليمي والعلاجي الإيراني هو مزيج من الضغوط الهيكلية والفردية التي تعرضهم لأضرار نفسية خطيرة.
تم تأكيد ضغط العمل المرتفع بسبب المناوبات المتعددة والطويلة من قِبل مدير العلاقات العامة بمنظمة النظام الطبي باعتباره إحدى أهم مشاكل هذه الشريحة. فخلال فترة الإقامة (التي تستمر من ٤ إلى ٦ سنوات)، يتلقى هؤلاء الأفراد أجوراً زهيدة جداً على مستوى الطلاب، في حين يُسلب منهم حق ممارسة الطب خارج المستشفيات الحكومية.
تُعد عدم الاعتراف الرسمي بفترة الإقامة (الريزيدنسي) كمهنة إحدى المشكلات الرئيسية. ولفترة طويلة، لم يكن هؤلاء الأفراد يتمتعون حتى بخدمات التأمين، وكانوا مجبرين على دفع تكاليف علاجهم شخصياً. إن عدم التوازن بين العمل والحياة، والإرهاق الوظيفي، واضطرابات النوم والاكتئاب هي عواقب مباشرة لهذه الظروف.
لذلك، فإن انتحار المقيمين ليس مجرد مشكلة فردية، بل هو كارثة اجتماعية تشير إلى أن النظام التعليمي والعلاجي يضحي بنخبه نتيجة الهياكل البالية ونقص الموارد. وتدل هذه الأزمة، بالتزامن مع موجة الهجرة الواسعة للكادر الطبي، على يأس جدي من المستقبل المهني والاجتماعي في قطاع الصحة.
رؤية البديل: الأخصائيون الطبيون، ثروة وطنية لغد إيران الحر
على النقيض من نهج النظام الإيراني تجاه الأطباء والمتخصصين، فإن المقاومة الإيرانية تولي لهم مكانة خاصة وتعتبرهم ثروة وطنية لمستقبل إيران الديمقراطية. وفي هذا السياق، عُقد في ١٥ نوفمبر الجاري مؤتمر في واشنطن خُصصت إحدى جلساته للمتخصصين، بمن فيهم الأطباء الإيرانيون المقيمون في أمريكا. وقد ناقشوا القضايا الطبية والعلاجية في إيران والأزمات التي يواجهها الشعب، ونشير أدناه إلى مثالين من هذه النقاشات:
استحالة الإصلاح والانهيار الحتمي
افتتح الدكتور سعيد سجادي، اختصاصي الطب الباطني والباحث في جامعة هارفارد، حديثه بالتأكيد على أن عقوداً من الخبرة أثبتت أن الإصلاح الهادف مستحيل في ظل دستور يكرس المرشد الأعلى ممثلاً لله على الأرض. وأشار إلى أن كلا جناحي النظام “اتبعا نفس السياسات القمعية في الداخل والإرهاب في الخارج”، مما جعل فكرة “الاعتدال” مجرد وهم سياسي.
وخلص الدكتور سجادي إلى أن النظام اليوم غارق في “أزمة نهائية”؛ “هش للغاية بحيث لا يمكنه التراجع، وعاجز عن التقدم.” واعتبر سقوطه حتمياً، والسؤال الرئيس هو: كيف سيحدث هذا الانتقال؟
إثبات قيادة المقاومة من خلال الأدلة التاريخية
وفي جزء آخر من هذه الجلسة، تناول الدكتور فيروز دانشغاري، جراح متخصص ومدير تنفيذي، الشكوك المحيطة بقدرة المقاومة على لعب دور حاسم في إسقاط النظام، وأجاب بأن الأدلة موجودة. واستشهد بالنقاط التاريخية التالية:
في عام ١٩٧٩، خرج أقل من ٢٠٠ عضو ناجٍ من السجن، لكنهم في غضون عامين استطاعوا حشد نصف مليون إيراني في مظاهرات، وأصدروا أكبر صحيفة سرية بتاريخ إيران (بأكثر من ٥٠٠ ألف نسخة يومياً).
في أوائل التسعينيات، أدى ضغط جيش التحرير الوطني في ساحة المعركة إلى إجبار الخميني على قبول وقف إطلاق النار في الحرب الإيرانية العراقية التي دامت ٨ سنوات.
نجاح المقاومة في كشف البرنامج النووي السري لإيران منذ عام ٢٠٠٢ (بما في ذلك منشآت نطنز وفوردو).
وخلص الدكتور دانشغاري في الختام إلى أن “التاريخ والقدرة والدليل” تشير جميعها إلى حقيقة واحدة: “المقاومة ليست مستعدة فحسب، بل هي بالفعل تقود الطريق إلى الحرية.” ولخص سجل المجلس الوطني للمقاومة بعبارة واحدة: “وعود قُطِعت، ووعود وُفِيَ بها.”