قرار #واشنطن من صنع أيدينا

بقلم مروان الأمين
@m_elamine

إن قرار واشنطن إلغاء مواعيد قائد الجيش ليس مجرّد تفصيل بروتوكوليّ، بل هو حدث استثنائي يحمل دلالات ثقيلة في تاريخ العلاقة بين العاصمة الأولى في صناعة القرار الدولي والمؤسسة العسكرية اللبنانية. فلطالما شكّل الجيش اللبناني نقطة الارتكاز الأكثر ثباتًا في نظرة واشنطن إلى لبنان، وحاز احترامًا متراكمًا عبر إدارات أميركية متعاقبة رأت فيه مؤسسة تستحق الاستثمار بها، فحرصت على توفير الدعم له بلا انقطاع.

منذ “طوفان الأقصى” تبدّل المشهد الإقليميّ برمّته، وتغيّرت معه مقاربة الواقع اللبناني من قبل الإسرائيلي والأميركي، خصوصًا بعد دخول “حزب اللّه” في الحرب دعمًا لغزة. المنطقة كلّها انتقلت إلى مرحلة تتطلّب مقاربات جديدة وإجراءات عاجلة، لا خطابات سياسية فضفاضة ولا شعارات معلّبة. هذا بالضبط ما تقوم به إسرائيل، من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن وصولًا إلى إيران. فإسرائيل ما بعد السابع من تشرين لم تعد تلك التي قبلَه؛ دولة تسابق الزمن وتتحرّك بقرارات حاسمة، بمعزل عن الحسابات التقليدية.

وهذا أيضًا ما أدركه الرئيس أحمد الشرع ويتصرّف على أساسه، ما فتح أمامه أبواب البيت الأبيض. أما المسؤولون اللبنانيون، فلا يزالون غارقين في لعبة المراوغة إيّاها، يكتفون بخطابات “ممتازة” لا تلامس أرض الواقع، ولا تتطابق مع أي خطوات فعلية في ما يتعلّق بإعادة حصر السلاح بيد الشرعية. وهنا تحديدًا، يكمن التباين الذي بدأت واشنطن ترصده وتعبّر عن قلقها وإحباطها بشكلٍ تصاعدي: أولًا، في الاجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين خلف الأبواب المغلقة، ثمّ عبر تحذيرات وامتعاض في العلن على لسان موفديها. وكانت آخر الإشارات إلغاء مواعيد العماد هيكل في واشنطن… وربّما ما هو آتٍ أخطر.

ليس خافيًا أن الرئيس عون وصل إلى بعبدا من اليرزة، لا من أي موقع آخر. وهذه الخلفية العسكرية والأمنية تجعله أكثر إلمامًا من أي شخصية أخرى كانت ستصل لسدّة الرئاسة بتفاصيل الواقع الميداني. لذلك، كان من الطبيعي أن يتعامل اللبنانيون، كما الدول العربية والمجتمع الدولي، وفي مقدّمهم الأميركيون، مع خطاب القسم بوصفه خطابًا يصدر عن رجل يعرف تمامًا ما يقول وما يتعهّد به في ملف السلاح.

فالرئيس عون، المُطّلع على آليات العمل العسكري والأمني عن قرب، والعارف بتشابكات وتعقيدات الواقع على الأرض، وتداخله بين المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية من جهة، وسلاح “حزب الله” من جهة أخرى، لا يمكن أن يقطع وعدًا بإنهاء ملف حصر السلاح قبل نهاية عام 2025 لو لم يكن مقتنعًا بقدرته على السير بهذا التعهّد حتى نهايته. ومن هنا، جاءت توقعات الداخل والخارج بأن ما قيل في خطاب القسم ليس مجرّد شعارات، بل هو التزامٌ مبنيٌّ على معرفة دقيقة بواقع الأرض وإدراكٌ لمتطلبات المرحلة.

إن قرار واشنطن لم يوجّه ضربة معنوية إلى قائد الجيش وحده، بل أصاب المؤسّسة العسكرية برمّتها، لأن الجيش ـــ شأنه شأن مؤسسات الدولة ـــ هو الباقي، فيما يأتي الرؤساء والقادة والمسؤولون ويغادرون.

وما وضع الجيش في هذا الموقف المؤسف، وأوصلَه ـــ ومعه لبنان ـــ إلى هذا المنعطف الخطير، ليس حدثًا معزولًا، بل مسارًا متشابكًا. فمن جهة، “حزب اللّه” مُتشبّث بمكابرته وتعنته في رفض تسليم سلاحه، ومن جهة أخرى، تقاعس المسؤولين اللبنانيين عن القيام بواجباتهم بما تقتضيه خطورة المرحلة، وتخلّفهم عن تنفيذ تعهّداتهم تجاه اللبنانيين والمجتمع الدولي.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com