الاستقلال : هل يبقى ذكْرى أم يصبح حقيقة؟

خاص بوابة بيروت

في زمن تتبدّل فيه معالم وطننا، وتزداد التحديات، يتساءل الكثيرون: هل الاستقلال اللبناني مجرد ذكرى نحتفل بها سنويًا أم يمكن أن يتحول إلى واقع حقيقي؟ اليوم، يبدو أن لبنان يخوض صراعًا أعمق من مجرد ذكْرى؛ صراع مع النفوذ الإيراني، ضمن لعبة كبرى يديرها اللاعبان الأميركي والصهيوني. وفي هذا السياق الصعب، أصبح الرهان على إعادة بناء الدولة مرهونًا بشجاعة وعزيمة المسؤولين، وقدرتهم على استيعاب الواقع والعمل من أجله.

نحتفل بعيد استقلال لبنان الوطني في ظروفٍ ربما لم تعرفها البلاد من قبل: ليس هناك حال من الاستقرار البسيط، وليس هناك أمان سياسي واقتصادي كما نتمناه. لبنان بلد عانى منذ الاستقلال من جيرانه، ومن هويته الضاربة في أعماق التعدد الطائفي والسياسي، ومن تركيبة اجتماعية أوصلته ذات يوم إلى حرب أهلية.

لم يكن لبنان يومًا مجرد بلد نفط أو موارد طبيعية هائلة، بل كان دولة خدمات: سياحة، تعليم، دين، أدب وشعر، ثقافة وموسيقى، ذوق فني رفيع. في مطاعمه وفناديقه ومقاهيه وجامعاته ومستشفياته، نلمس روح التميّز والتميز، وفي صفوف أبنائه – من الممثلين والراقصين والموسيقيين إلى الرسامين والنحاتين – نجد طاقات عربية مبدعة. وطبيعته الخلابة تدعو للسلام والتأمل: من جبال للتزلج إلى دروب المشي والركض.

لبنان هو ملتقى حضارات: الفينيقيّة والرومانية والآشورية، والإرث الإسلامي، فضلاً عن جذور الكنائس والجوامع، وحتى التاريخ اليهودي؛ إنه وطن جمع الحضارات على مرّ العصور.

لكنّ هذا الجمال لم يحمه من التجاوزات. لبنان فقد روحه نتيجة تعدّد الاستعمارات: العثمانية، الفرنسية، الهيمنة العسكرية، والنفوذ الفلسطيني والسوري والصهيوني، وحتى الإيراني الحديث. على مدار تاريخه، لم يعرف لبنان راحة حقيقية، فقد عاش حروبًا داخلية، وما زالت بعض مراكز القرار تسيطر عليها ما يمكن وصفهم بـ “ملوك الطوائف” — زعماء طائفيون يملكون نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا، وقد استحوذوا على السلطة والثروة، حتى أنهم دفعوا شبابه للهجرة، وأضعفوا الاقتصاد ودمروا المصارف، بما في ذلك مرفأ بيروت الذي كان يومًا من أعمدة المنطقة، مما عمّق الفقر، حتى بين من كانوا يُعدّون أغنياء، بسبب الجشع وغياب الضمير.

اليوم، إذا أردنا أن ينبعث لبنان من جديد، إذا أردنا لاستقلاله أن يكون أكثر من احتفال سنوي، فعلينا أن نعمل من أجل تغيير حقيقي. يجب أن نتخلص من عقلية الاحتكار، وأن نبني وطنًا على أفكار الشباب المتعلم، على تطلعات الأجيال القادمة، على قيادة مسؤولة تسعى لمصلحة المواطن لا لمصالحها.

ولن يتحقق هذا ما دام هناك فكر مهيمن ومدمر، فكر يدور حول المصالح الخاصة وليس المواطن، ما دام زعماء الطوائف يسيطرون على مفاصل القرار، ما دام المواطن فقد ثقته بأي مكوّن سياسي.

فهل من يسمع؟ هل من يتحرّك؟ هل من يجرؤ على بناء لبنان الذي نحلم به؟
كل عام وأنتم بخير. كل استقلال وأنتم بخير.

وكما قال دريد لحام: “تصبحون على وطن.”

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com