خاص بوابة بيروت

كاتبة وناشطة سياسية
في يومٍ يُفترض أن يكون عيدًا للكرامة الوطنية، يقف لبنان من جديد أمام مرآته… مرآة تفضح الانقسامات، الفوضى، والإرهاق الذي سكن أرواح الناس. شعبٌ غاشٍ وماشٍ، يراقب مشهدًا سياسيًا لا يشبه أحلامه، وينتظر ضربة من الخارج أو زيارة بابوية من بعيد علّها تحمل بركة سلامٍ تضمد جراح وطنٍ أنهكته الصراعات.
هل صارت هذه الأرض فعلًا بلا صاحب؟
هل أصبحت أرواح اللبنانيين بلا قيمة؟
أسئلة موجعة ترافقنا في كل شارع، كل بيت، وكل نبضة خوف على مستقبل أولادنا.
ورغم أنّ الجميع يرفع شعار التغيير، إلا أنّ أحدًا لا يريد أن يتنازل من أجل كرامة البلد. الأحزاب تستمر في حساباتها الضيقة، وتنسى أنّ الوطن لا يُبنى بالانتقائية، ولا يُدار بمنطق “لناس وناس”. الوطن الحقيقي هو مساحة تتّسع للجميع، يحترم فيها كل فرد خصوصية الآخر، ويُصان فيها الاختلاف كجسر وليس كسيف.
لبنان يستحق أكثر.
يستحق أحزابًا تعيد النظر في مشاريعها، وأداءً سياسيًا يضع خدمة المواطن فوق خدمة النفوذ، وإدارة واحدة لكل اللبنانيين على امتداد الخريطة، لا جزؤها إلى مربّعات نفوذ.
ومع ذلك… وسط هذا المشهد المتعب، يطلّ خطاب رئيس الجمهورية في مناسبة الاستقلال ليمنح بصيص أمل، صورة رئيسٍ يحاول أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، رئيسٍ يرى لبنان كلًّا واحدًا قبل أن يراه مقسّمًا. هذه الصورة نحتاجها اليوم، نحتاجها لنصدّ رياح اليأس، ولنقول إنّ الحياد الوطني ليس ضعفًا بل قوة، وليس ترفًا بل ضرورة للعبور من هذا النفق.
ما زالت الفرصة أمامنا.
لدينا الإرادة، ولدينا الموارد البشرية والعقول اللامعة، ولدينا قدرة فريدة على النهوض من الركام. لو اجتمعت هذه الإرادات بإدارة رشيدة، حوكمة حقيقية، وتطبيق صارم للقانون والدستور، لكان لبنان جوهرة الشرق الأوسط تطبيق الدستور والقوانين الدولية هي الأولوية لنهوض لبنان.
أملُنا اليوم أن نصل إلى لحظة نتوقف فيها عن الخوف من عودة الحرب، وأن نعيد تعريف السياسة كخدمة، والإدارة كمسؤولية، والتنوع كقيمة مقدّسة.
عيد استقلال سعيد… للبنان الذي لا ينكسر،
للبنان الذي ينهض كلّما حاولوا إسقاطه،
للبنان الذي يعرف أبناؤه كيف يحوّلون الألم إلى قوة،
والانقسام إلى حكمة،
واليأس إلى نور.
نريده استقلالًا يفتح أبواب الإصلاح الحقيقي،
استقلالًا يصنع إدارة شفافة،
ودولة عادلة،
ومؤسسات تحمي حقوق الناس بلا تمييز.
نريده استقلالًا يعيد الثقة بين المواطن والدولة،
ويحوّل الطاقات الشابة إلى مشاريع حياة،
ويجعل من تنوّعنا ثروة لا لعنة،
ومن اختلافنا جسورًا لا جدرانًا.
هذا الوطن، بكل جراحه، ما زال قادرًا أن يصبح قصة نهوض مشرقة،
وأن يعود جوهرة الشرق، المنارة التي تلهم جيرانها
وتقدّم للعالم نموذجًا عن شعبٍ يعرف كيف يصنع مستقبله
ولو وُضع في أصعب الظروف.
لبنان يستحق دولة تحفظ كرامته،
ومواطنين يصونون أرضه،
ومستقبلًا يليق بأطفاله.
فلنجعل من هذا الاستقلال نقطة تحوّل،
ومن هذا اليوم بداية طريقٍ لا عودة عنه—
طريق ازدهار، عدالة، وكرامة وطنية ثابتة لا تهتز.
كل استقلال ولبنان أقوى، أنقى، وأبهى ممّا كان.