مؤتمر حركة “تحرُّر” عن مستقبل المشاركة السياسية للشيعة…

لإعادة تقييم العلاقات "اللبنانية - الإيرانية" ومنع تدخلات النظام الإيراني وتبنّي خيار السلام للبنان

لإعادة تقييم العلاقات “اللبنانية – الإيرانية” ومنع تدخلات النظام الإيراني وتبنّي خيار السلام للبنان

عقدت حركة تحرُّر من أجل لبنان مؤتمرًا سياسيًّا بعنوان “لبنان والمنطقة في ظل انكفاء النفوذ الإيراني وتشكّل مشهد جيوسياسي جديد. “أية مشاركة سياسية للشيعة اللبنانيين في الحياة العامة؟”، وذلك يوم الجمعة 21 تشرين الثاني 2025، في فندق “سمولفيل – بيروت”، لبنان وعبر زوم مع المتحدّثين من خارج لبنان.

حضر المؤتمر سعادة الأمير إدي أبي اللمع ممثلاُ رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع والأستاذ إيلي بدران ممثلاً سعادة النائب سليم الصائغ عن حزب الكتائب اللبنانية ومجموعة من الناشطين السياسيين والإعلاميين.

في مستهلّ المؤتمر، أشار منسق حركة تحرُّر د.علي خليفة أن لبنان يعيش لحظة مفصلية حيث تلتقي إرادة اللبنانيين اليوم مع المجتمع الدولي الساعي إلى إعادة تشكيل مشهد جيوسياسي جديد في المنطقة على وقع الأحداث المتلاحقة التي أدّت إلى هزيمة المشروع الإيراني للنفوذ وتراجع سطوته. وقد يكون “الـ Momentum” العربي والدولي فرصةً واعدة وغير مسبوقة، بمثابة النور في آخر النفق. بينما الأداء السياسي الداخلي لا يزال ضعيفًا، فاقدًا للمبادرة ومهمّشًا على الصعيد الدولي ودون المستوى. تابع خليفة “إن المطلوب توصيف المشكلة الحقيقية والجرأة في تخطيها، حيث أن النفوذ الإيراني في لبنان قام على جثة الدولة، بما يطيح بالمصلحة الوطنية العليا للبنانيين عمومًا ولأبناء الطائفة الشيعية خصوصًا، فاقتلعهم من مجتمعهم ووطنهم وألحقهم بالنفوذ العابر لولاية الفقيه في إيران.” وطالب خليفة وزارة الخارجية اللبنانية ولجنة الشؤون الخارجية والمغتربين في البرلمان اللبناني بإعادة تقييم العلاقات اللبنانية – الإيرانية في ظلّ استمرار التدخلات للنظام الإيراني في سيادة الدولة في لبنان وعرقلة قيامها بأدوارها سيما في الدفاع والأمن نتيجة تغذية ميليشيا حزب الله بالتمويل وبالسلاح، بما يناقض الأعراف الدولية والمعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة. وختم خليفة قائلاً: “إن الفرصة مؤاتية اليوم لرفع المصلحة الوطنية العليا والأمن الوطني للبنان فوق أي اعتبار، وتبنّي خيار السلام والتنمية بديلاً عن الحرب العبثية وبلا أي أفق”.

من لبنان، تحدّث سعادة الدكتور مصطفى علوش عبر رسالة بعثها إلى المؤتمر داعيًا إلى عدم الحياد تجاه مواجهة محور إيران الذي استخدم كلّ أشكال العنف ودمّر الدول في مجتمعاتنا ولكن ثمة من وقف بوجهه منذ البداية وطالب بحثّ الجهود للتخلّص من حالة حزب الله والتعبئة العقائدية التي يبثها في شبكة مدارسه والاقتصاد الموازي الذي بناه على أنقاض الاقتصاد الشرعي ومؤسساته المالية والتجارية.

ثم تحدّث من خارج لبنان النائب السابق لرئيس البرلمان الأوروبي الدكتور أليخو فيدال كوادراس قائلاً إن لبنان البلد الجميل الذي يمثل رمزًا للتنوع في الشرق الأوسط أصبح أكبر ضحايا السياسات التدميرية للنظام الحاكم في إيران. إن المشاكل التي يعاني منها لبنان اليوم ليست منفصلة عن الأزمة الأكبر في الشرق الأوسط، حيث لأكثر من أربعة عقود، بنى النظام الإيراني استراتيجية بقائه على التدخل في شؤون الدول الأخرى وتصدير الحرب والأزمة والإرهاب، وجعل من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى لبنان، دروعًا واقية له. وللسيطرة على هذه الدول، أضاف كوادراس، يلجأ النظام الإيراني إلى تأسيس وتقوية المجموعات الوكيلة وتسليحها، واستغلال الانقسامات الطائفية والمذهبية، وتحويل المجتمعات الحيوية والمتنوعة إلى ساحات حروب دائمة. وحذّر كوادراس من سياسة الالتفاف والتهدئة التي يمارسها النظام الإيراني لغايات نفعية وظرفية، ودعا بالمقابل إلى تأييد خيارات الشعب الإيراني ومقاومته الوطنية في سبيل إنشاء جمهورية ديمقراطية تفصل الدين عن الدولة، وتقيم المساواة بين المرأة والرجل، وتقرّ حقوق الأقليات، والتعايش بسلام مع دول المنطقة. بسبب هذه المواقف بالذات، ختم كوادراس قائلاً إنه تعرّض هو نفسه لمحاولة اغتيال من قبل النظام الإيراني قبل عامين.

ثم تحدّثت الناشطة السياسية وعضو حزب النهضة الفرنسية د.منال خليفة معتبرةً أن في ظل المشهد المتغيّر في الشرق الأوسط، قد يكون الحياد الإيجابي خياراً استراتيجياً للبنان. فالحياد الإيجابي لا يعني أن يتخلّى لبنان عن حقه في الدفاع عن أرضه، بل يعني ببساطة أنّ قرار الحرب والسلم لا يُتخذ إلا من قبل الدولة وحدها. الحياد الإيجابي ليس شعارًا يوتوبياً، وليس قرارًا أمنيًا فقط، بل هو مشروع لإعادة بناء الدولة. وأشارت خليفة أن هناك جزءًا متزايدًا من الشيعة اليوم يرفض أن تُحدّد قوى خارجية مستقبلهم السياسي. يريدون دولة حقيقية و مشاركة طبيعية في الحياة السياسية، من خلال المؤسسات، وليس عبر السلاح.

ومن جهته اعتبر الناشط السياسي والمؤسس في حركة “تحرُّر” علي الزين أن الفراغ الذي تتركه “الدويلة” التي أنشأها حزب الله يجب أن تملأه مؤسسات الدولة الشرعية “الجيش في الأمن، الوزارات في الخدمات”، وإلا ستنشأ عصابات محلية وفوضى. وأضاف الزين إن الطائفة الشيعية دفعت ثمناً باهظاً نتيجة سلخها عن المحيط العربي الطبيعي. التوسع هنا يكون بالتركيز على “لغة المصالح”: أسواق العمل في الخليج، الاستثمارات، والسياحة. لا يمكن للبنان أن يعيش بعلاقة احادية مع ايران (التي تعاني أصلاً من العقوبات). وختم الزين أن العودة للحضن العربي ليست ترفاً سياسياً بل ضرورة “معيشية” واقتصادية للعائلات الشيعية قبل غيرها.

واعتبرت الناشطة الحقوقية والسياسية الأستاذة حنان جواد أننا اليوم أمام تحوّل جيوسياسي حقيقي في الشرق الأوسط مع تراجع نسبي للدور الإيراني وإعادة تموضع دولي بين واشنطن وبكين، وعودة الحضور “العربي – الإقليمي” عبر مقاربات أقل أيديولوجية وأكثر براغماتية. وأضافت جواد أن هذا التبدّل لا ينعكس فقط على خريطة النفوذ، بل أيضاً على الخريطة الاجتماعية والسياسية للطوائف داخل الدول، ومنها لبنان. وفي هذا السياق، تصبح المشاركة الشيعية في الحياة العامة جزءاً من نقاش أوسع حول مَن يملك القرار السياسي داخل الطوائف؟ وكيف تُستخدم الهويات المذهبية كأدوات في لعبة إقليمية أكبر من قدرتها؟

الناشط السياسي الأستاذ حسين عطايا أكّد ضرورة السعي في الانتخابات القادمة من أجل خرق احتكار وحصرية التمثيل النيابي المحصور بالثنائي الشيعي الذي أعاق التطور السياسي لدى الطائفة الشيعية. بذلك، يتابع عطايا، يعود الشيعة للعب دور سياسي بارز في استعادة الدولة اللبنانية لسيادتها على مجمل اراضيها وبقواها الذاتية ويبدأ حينها تطبيق اتفاق الطائف والذي اصبح دستوراً يجب وضعه موضع التطبيق الفعلي.

ومن جهته أشار عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية موسى أفشار أن رُغمَ ما تملكه إيران مِن مواردٍ طبيعية هائلة، تَحْتَرِقُ اليومَ تحتَ وَطْأَةِ الفقرِ، وَالتضخّمِ غيرَ الْمَسبوق، وَالْبِطالَةِ الواسعة، وَأزمةِ المياه، وانهيارِ الْبُنَى التحتية. وَتُقِرّ وَسائِلُ إعلامِ النظامِ بأن أكثر من ٨٠٪ من الشعب يعيشون تحتَ خطِّ الفقر. أمّا الرقم الرسمي للتضّخم فهو ٤٨٪، وهناك ٧ ملايين إنسان تحتَ خطِّ الجوع، و١٣٠ ألف شخصٍ يَموتون سنويًا بِسببِ الفَقْرِ وَسُوءِ التغذية. وأضاف أفشار أن سقوط الفاشية الدينية في إيران سيُسقط أيضًا أذرعها في المنطقة. واعتبر أفشار أن كل خطوةٍ تُتخذ لقطع يد النظام الإيراني عن لبنان، هي خدمة للشعب اللبناني وللشعب الإيراني معًا، وخطوة نحو استقرار الشرق الأوسط. والوقوف إلى جانب الشعب والمقاومة في إيران هو الطريق لتحرير المنطقة من قبضة ميليشيات هذا النظام. وتمنى للشعب اللبناني السلام والأمن والازدهار والتقدم.

واستكملت الندوة بمداخلات ونقاشات مع الكاتب السياسي نبيل شحادة والأستاذ فادي رياشي والأستاذ مارك صبري والأمين العام لتجمع سيدات ورجال الأعمال في لبنان الأستاذ روبير كنعان والكاتب السياسي الدكتور خالد العزي الذي أوضح مصطلحات الإنكفاء والنفوذ من منظور العلاقات الدولية، بينما دعا الأستاذ محمد الظريف عضو طاولة حوار المجتمع المدني إلى فك النزاع والحياد الإيجابي وعدالة القضاء.

وختم منسق حركة تحرُّر د. علي خليفة اللقاء بالدعوة إلى نشر أعمال الجلسة والمباشرة بتنفيذ ما ورد فيها من خطوات إجرائية.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com