خاص بوابة بيروت

صحافي استقصائي وباحث في حقوق الانسان
اعتقال نوح زعيتر يوم أمس في كمين نفّذته مخابرات الجيش اللبناني قُدّم للجمهور كـ “إنجاز أمني نوعي”.
لكن الحقيقة المرة، الفاضحة، التي يعرفها كل لبناني، هي أنّ، الدولة اللبنانية اعتقلت التاجر… وتركت زعيم الإعدامات. ضربت الذيل… وأطعمت الرأس.
ففي الوقت الذي امتلأت فيه الشاشات بتهليل لاعتقال زعيتر، يبقى اسم واحد محظوراً، مخيفاً، مُحرَّماً على الدولة ذاتها: جمال حسن سليمان – المعروف بالحجحوج.
الرجل الذي تصفُه عشرات الملفات الأمنية بأنه أخطر بكثير من أي تاجر مخدرات…
الرجل المتورط “بحسب الرأي العام و مصادر قضائية وأمنية لبنانية وفلسطينية” بعمليات قتل، اغتيالات، تعذيب، تصفيات ميدانية، تشكيل عصابات مسلحة، إدارة مصانع كبتاغون داخل المخيمات، وارتباطات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
ومع ذلك، ما زال حراً، محمياً، ومرفوعاً فوق القانون.
ملفّات الحجحوج، كتاب مفتوح تخشى الدولة قراءته
المفارقة الصادمة أن، كل الأجهزة الأمنية اللبنانية تمتلك ملفات كاملة وموثقة عن جرائم جمال سليمان.
▪ شعبة المعلومات
▪ الأمن العام
▪ أمن الدولة
▪ مخابرات الجيش
▪ الأجهزة الاستقصائية
▪ القضاء اللبناني
جميعها تملك الأدلة، الوثائق، الشهادات، التقارير، محاضر الاغتيالات، إفادات الضحايا، أسماء المشاركين، حركة الاتصالات، تقارير الرصد، ومذكرات التوقيف.
ومع ذلك…
لم يُعتقل.
لم يُحاكم.
لم تُحرَّك الملفات.
وحتى أهالي الضحايا، وفق شهاداتهم، ما زالوا تحت سلطة الخوف والترهيب، يخشى بعضهم التقدم بأي شكوى أو المطالبة بحقوقهم، لأن كل من حاول الاقتراب من هذا الملف تعرّض للتهديد، الضغط، أو الابتزاز. فهل هذه دولة؟ أم نظام تهريب وعدالة انتقائية؟
نوح زعيتر… احتراق ورقة
أما اعتقال نوح زعيتر، فقد بدا وكأنه، عملية تجميل سياسي، لا عملية أمنية. فالرجل – رغم خطورته – أقل بكثير من الحجحوج جمال سليمان.
ومع ذلك تمّت ملاحقته واعتقاله، بينما يُترك الحجحوج وأبناؤه، و“فرقة الموت” التي يُعرف إنها بقيادة ابنه حمزة، يتحركون فوق الأرض اللبنانية كما لو أنهم جهاز رسمي.
هل انتهت صلاحية زعيتر؟
هل قُدّم للمجتمع الدولي كقربان لإظهار “فعالية الدولة”؟
هل هي صفقة، مساومة، أو محاولة ترميم صورة مهترئة؟
كل شيء وارد… لأن الأفعال على الأرض تقول إنّ الرأس الحقيقية للجريمة ما زالت محمية، ومموّلة، ومرافَقة.
أنصار الله، تنظيم إرهابي بامتياز… لكنه فوق المحاسبة
حركة أنصار الله الفلسطينية “وفق تقارير أمنية لبنانية” ليست “فصيلاً مقاوماً او سياسياً ”. إنها تنظيم مسلّح إجرامي :
▪ ارتبط لعقود بالمخابرات السورية “علي مملوك – هشام بختيار وغيرهم من قادت النظام البائد”
▪ ويعمل اليوم ضمن محور الحرس الثوري الإيراني
▪ نفّذ عمليات اغتيال وتصفيات كثيرة وكبيرة
▪ يمتلك أسلحة ومواكب ومنازل ومخابئ في كل الأراضي اللبنانية
▪ ويتنقل قياداته و عناصره برخص امنية رسمية “رخص موكب و رخص أسلحة و رخص زجاج داكن”
▪ وتُفتح لهم أبواب المخيمات والمناطق دون اعتراض
كيف يمكن لدولة تدّعي السيادة أن تحمي تنظيماً إرهابياً داخل أراضيها؟ كيف يمكن لقضاء يعرف كل تفاصيل جرائمهم أن يبقى صامتاً؟
المكان معروف… والتحركات معروفة… والحماية معروفة
جمال سليمان ليس مختبئاً. ليس في الجرود. ليس في الأنفاق.
بل “بحسب مصادر أمنية” يتواجد في صيدا، يتنقل بين شقق ومنازل معروفة بالاسم والموقع، بمواكبة من حزب الله، وبعلم مخابرات الجيش، وبتغطية سياسية فلسطينية ولبنانية.
إذن، لماذا لم يتم اعتقاله؟ لأن الرجل ليس مجرد مطلوب… بل أداة.
أداة تنفّذ القذارة التي لا تريد الدولة أن تُتهم بها مباشرة.
رسالة مباشرة، نارية، بلا تجميل، إذا أرادت الدولة اللبنانية أن تثبت أنها دولة فعلاً، فعليها:
1. اعتقال جمال حسن سليمان فوراً.
2. اعتقال أبنائه وكافة عناصر فرقة الموت.
3. حظر تنظيم حركة أنصار الله وإعلانه منظمة إرهابية.
4. محاسبة الضباط الذين وفّروا له الحماية.
5. فتح كل الملفات التي يخشى أهالي الضحايا تحريكها.
6. مصادرة أسلحة ومقار واملاك هذا التنظيم.
غير ذلك… هو مجرد استهزاء بعقول اللبنانيين.
تذكير لبنان بواجباته أمام المجتمع الدولي
وفي النهاية، على لبنان أن يتذكّر أنّه ليس دولة تعيش في فراغ، وأنّ المجتمع الدولي يراقب، ويوثّق، ويُسجّل. فالدول التي تُهمِل مكافحة الإرهاب، وتغضّ الطرف عن تصنيع المخدرات والكبتاغون، وتوفّر الحماية لميليشيات مسلحة خارجة عن القانون، تُعرّض نفسها للعقوبات والعزل، ولانهيار الثقة الدولية بها.
لبنان اليوم تحت مجهر الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ووكالات مكافحة المخدرات الدولية، وعليه التزام قانوني وأخلاقي بتسليم المطلوبين، وتجفيف منابع السلاح غير الشرعي، وإغلاق معامل السمّ التي تتغذّى عليها شبكات إرهابية مرتبطة بالخارج.
وإذا لم يتحرك لبنان فوراً لتوقيف الحجحوج الإرهابي جمال سليمان وعصابته، وحظر تنظيم “أنصار الله”، ومحاسبة الضباط والسياسيين المتورطين في حمايته، فإنّ الدولة ستضع نفسها في خانة الدول المتقاعسة… وربما المتواطئة.
وهذا ما لن يتسامح معه العالم إلى الأبد. فالمجتمع الدولي والعربي يقول للسياسيين في لبنان : أوقفوا دعم وحماية الإرهاب و إلا فأنتم شركاء.