#العلم_اللبناني الوطني : راية مغيبة أم هوية مختطفة؟

الرمز الذي يفقد معناه

الرمز الذي يفقد معناه

بقلم ميراز الجندي – خاص بوابة بيروت
@MirazJundi

في قلب كل دولة، هناك رمز يتجاوز الألوان والأشكال… إنه العلم.

العلم ليس مجرد قطعة قماش، بل هوية، ذاكرة، سيادة، ووعد بمستقبل مشترك.

وحين يغيب العلم، أو يُستبدل برايات طائفية أو حزبية، فذلك لا يعني فقط انحرافًا بصريًا، بل انحرافًا بنيويًا في فهم الانتماء والولاء والمواطنة.

هذا الغياب ليس افتراضيًا، بل واقع نعيشه في لبنان، حيث أصبح العلم اللبناني في المرتبة الثانية أو حتى العاشرة في أولويات الشعارات والرايات. في الساحات والاحتجاجات والمناسبات، نرى كل شيء… إلا العلم الذي يُفترض أن يُوحّدنا.

الدرس من الخارج.. والمأساة في الداخل

في الآونة الأخيرة، خطف المشهد السوري أنظار الكثيرين، ليس لِما قيل، بل لِما رُفع. الآلاف خرجوا في مظاهرات الفرح أو التعبير، وراية واحدة جمعتهم: العلم السوري. لا رايات طائفية، لا أعلام فصائلية، لا شعارات دينية. لحظة وطنية حقيقية في دولة ما زالت تعيش في قلب الصراع، ولكنها قدّمت درسًا رمزيًا كبيرًا.

في المقابل، لبنان “النموذج الديمقراطي المفترض” يظهر في كل مشهد شعبي كأرض رايات متنازعة: علم حزب، راية طائفة، شعار مرجعية خارجية، راية دينية تشي بالولاء لما هو فوق الوطن وتاريخه ودستوره.

العلم اللبناني: بين الغياب والاختطاف

لماذا غاب العلم اللبناني عن المشهد العام؟ ولماذا تحوّلت الساحات إلى معارض أعلام وصراعات رمزية؟

الجواب ليس سياسيًا فقط، بل تربوي وثقافي في العمق: فشل النظام التربوي في ترسيخ معنى العلم كمكوّن للهوية الوطنية الجامعة.

غياب الدولة الراعية لكل المواطنين، ما دفع البعض للجوء إلى الطائفة أو الحزب بحثًا عن الأمان والانتماء.

تآكل الثقة بالدولة، ما جعل العلم الرسمي يبدو، في نظر البعض، كرمز للسلطة وليس للوطن.

وبذلك، لم يُهمل العلم فحسب، بل تم اختطاف واستبداله. أصبحت كل منطقة في لبنان تلوّح براية تُعبّر عن “سيدها السياسي”، لا عن سيادة الدولة.

الرمز عندما يُصبح قضية

في الدول التي تبني مشروعًا وطنيًا جامعًا، يكون للعلم قداسة مدنية. هو الحاضر في كل مدرسة، في كل خطاب رسمي، على كل مؤسسة. هو راية يُحتفل بها، ويُدافع عنها، وتُدرّس معانيها.

في لبنان، لا حضور متساوي للعلم في المناطق كافة. وفي المناسبات، كثيرًا ما يُزاح العلم لصالح الرايات الدينية أو الحزبية.

حتى في المدارس الرسمية، تضعف هيبة العلم إن لم تكن غائبة، والطلاب لا يرددون النشيد الوطني بنفس الانتماء.

هنا يتحول الأمر من مسألة رمزية، إلى إشكالية وطنية – ثقافية – سياسية – أخلاقية.

نحو مشروع وطني جامع: راية فوق الجميع

من دون رموز وطنية جامعة، لا يمكن بناء دولة حقيقية. والعلم هو أول هذه الرموز. استعادة مكانته ليست مسألة تجميلية، بل أولوية سيادية.

يجب أن يكون رفع العلم اللبناني واجبًا وطنيًا وتربويًا في كل مؤسسة

يجب أن يُدرّس في المناهج مع قيم المواطنة والانتماء والعدالة الاجتماعية.

يجب أن تتوقف الدولة عن التساهل مع كل من يرفع رايات تقسيمية في المناسبات العامة

يجب أن يفهم كل مواطن أن الولاء للدولة لا يناقض انتماءه الديني أو المذهبي أو السياسي… بل يسمو عليه.

حين يُصبح العلم حجر الأساس

بناء الدولة لا يبدأ من السلاح ولا من الاتفاقيات الكبرى… بل من التفاصيل التي تُكوّن الوجدان العام.

والعلم “أي العلم” هو حجر الأساس لهذا البناء.

في لبنان، آن الأوان لاستعادة العلم اللبناني كراية جامعة، كهوية مدنية، كرمز للمواطنة والسيادة والدولة.

لا نريد أعلامًا تُمثّلنا جزئيًا. نريد علمًا واحدًا يُمثّلنا كليًا.

علمًا نقف له احترامًا لا مجاملة، ونرفعه لا استعراضًا، بل إيمانًا.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com