أين زيارة “#البابا” من مآسي #الشيعة؟

بقلم مروان الأمين
@m_elamine

مثل حضور البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان دفعةً معنوية لافتة للمسيحيين، بعد أعوام ثقيلة من المآسي التي عصفت بالبلاد. جاءت الزيارة في لحظة إقليمية شديدة التحوّل، لتعيد التذكير بثبات الدور المسيحي وأهميته في النسيج اللبناني، في وقت يشهد فيه الوجود المسيحي نزيفًا عدديًا في معظم دول المنطقة، وبينها لبنان.

شدّد البابا في كلمته على ضرورة التمسّك بالصمود وشجاعة البقاء في لبنان، لا باعتبارهما خيارًا اضطراريًا فحسب، بل فعل إيمان بقدرة هذا البلد على النهوض من جديد. ووجّه رسالته الأوضح إلى المسؤولين، داعيًا إياهم إلى أن يقدّموا السلام على كل ما عداه، في محاولة للتأكيد على أن السلام بات الخيار الوحيد القادر على إنقاذ لبنان.

لم تكن دعوته إلى السلام تفصيلًا عابرًا في خطابه، بل العنوان العريض الذي ظلّ يتردّد بثبات طوال الزيارة. فقد تكرّرت كلمة “السلام” عشرات المرات، في إشارة إلى حجم الحاجة إليها للانتقال بالبلد إلى مرحلة جديدة.

لا شكّ أن السلام يشكّل المناخ الأرحب لتمكين المسيحيين من العيش والحفاظ على دورهم التاريخي، وهو أيضًا الركيزة الأولى لوقف النزيف الديموغرافي الذي يطالهم في لبنان وسائر دول المنطقة. ومن الطبيعي أن يحمل البابا هذا الهمّ معه، وأن يضع إصبعه على الجرح مباشرةً ومن دون أي مواربة.

لقد كسرت هذه الزيارة حاجز الصمت، لا عند السياسيين فحسب، بل أيضًا لدى الرأي العام. سيصبح الحديث عن السلام يُتداول بأريحية، بصوتٍ عالٍ لا همسًا ولا التباسًا. فقد أخرجت هذه الزيارة المطالبة بالسلام من دائرة “المحرّمات الوطنية”، ومنحت اللبنانيين، بكل أطيافهم، شرعية جديدة لطرح السلام كأولوية وطنية لا تحتمل التأجيل. فالكلام عن السلام بعد زيارة البابا لم يعد يشبه ما قبله.

إذا كان “السلام” يشكّل العنوان الأبرز في زيارة البابا بالنسبة إلى المسيحيين، فإنه بالنسبة إلى الشيعة حاجة وجودية لا ترفًا سياسيًا. فكل أشكال العنف والعمل المسلّح، مهما تعدّدت شعاراتها وتنوّعت أيديولوجياتها، جلبت للشيعة – ولا سيما أبناء الجنوب – الكثير من الخراب والموت والنزوح. ولعلّ المغامرة العسكرية الأخيرة التي خاضها “حزب الله” كانت الأشدّ وطأة عليهم مقارنة بكل الجولات السابقة، إذ إن حجم الدمار الذي لحق بالبلدات الجنوبية بلغ مستوى غير مسبوق منذ قيام دولة لبنان.

هذه المرّة، لم يعد الأمر مجرد حلقة أخرى في معادلة “الدمار ثم إعادة الإعمار” التي اعتادها الجنوبيون لعقود. ما يجري الآن يتجاوز ذلك كلّه ليبلغ مستوى التهديد الوجودي المباشر، مع خطر حقيقي بتحويل تلك البلدات إلى مناطق خالية من سكانها إذا استمر “حزب الله”، ومن خلفه إيران، في نهج المكابرة والتعنت. وهنا تصبح دعوة البابا إلى السلام ليست نداءً للمسيحيين وحدهم، بل صرخة تلتقي مع الرسالة التي وجّهها السيّد علي السيستاني إلى القادة الإيرانيين من أجل إنقاذ المكوّن الشيعي الذي يقف على حافة الهاوية.

“طوبى لفاعلي السلام” ليست مجرد آية استحضرها البابا من الكتاب المقدّس، بل هي أشبه بوصيّة سياسية تبحث عن رجال دولة يمتلكون الشجاعة الكافية للحفاظ على الحضور والدور المسيحي في هذا البلد، مثلما هي حاجة ملحّة لإنقاذ الوجود الشيعي نفسه ووقف الدوامة الجهنمية التي تُمعن في التهام أبنائه. ففي بلد يقف بين مطرقة الحرب وسندان الانهيار، يغدو السلام ليس شعارًا دينيًا أو خطابًا وعظيًا، بل خيار البقاء الأخير لجميع اللبنانيين بلا استثناء.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com