كتاب مفتوح الى الرئيس نواف سلام
–
بقلم السفير د. هشام حمدان
موقفكم بالرد على كتاب حزب الله المفتوح للرؤساء الثلاثة، شكل موقفا وطنيا ممتازا، وأعاد بعض الكرامة الضائعة الى لبنان. ألعالم يتابع الواقع في بلادنا. ومثل هذا الموقف الذي اتخذتموه، يعيد إلى وطننا بعض المصداقية والإحترام لواقعه كدولة عضو في الأمم المتحدة.
أنتم تدركون أكثر من أي مسؤول آخر في السلطة، واقع لبنان في الرؤية الدولية. كل العالم مقتنع أن لبنان هو رهينة لإيران عبر حزب الله والبيئة الشيعية فيه. فايران تمسك أغلبية عددية مهمة في البلاد عبر الرابط الديني، وتدفع بحزب الله ليقود هذه الأغلبية بالقوة والمال والخدمات.
ألعالم لا ينسى عدد أبناء الطائفة الشيعية الذين قتلهم الحزب ليسكت الأصوات الإيديولوجية المعارضة له، ويقضي على البيئة الفكرية التابعة لهم، رغم أنهم كانوا أيضا مقاومة لكن وطنية، ضد إسرائيل. فالمقاومة بالنسبة لحزب الله، عنوان لفكر إيديولوجي آخر مرتبط بالثورة الإسلامية في إيران.
كما أن العالم يعرف عن الأموال التي تغدقها ايران كرواتب للعاملين والمقاتلين مع الحزب، وكذلك لإقامة وإدارة وتفعيل عمل المؤسسات التي يقيمها الحزب لخدمة مصالح البيئة التي تلتزم به. هذه البيئة التي عاشت بشكل مستمر في ظروف إقتصادية وإجتماعية وإنسانية غير مناسبة للولاء للوطن والدولة.
إستعادة السيادة يا دولة الرئيس، لا تعني فقط، استعادة قرار الحرب والسلم. إستعادة السيادة تعني أيضا، كف اليد الإيرانية والخارجية بكل أشكالها، عن التدخل في شؤون لبنان. هذا الأمر يبدو صعبا في بلاد ما زال يحكمها أمراء الحرب ألذين أقاموا سلطانهم على دعم الخارج وأمواله. لكن ثمة حاجة ملحة للتمييز بين ولاءات سياسية وأخرى عسكرية وتنظيمية. الولاءات السياسية تتبدل، وهي عمليا تتبدل لمصلحة سيادة الدولة، وسيتم تطبيق أحكام الدستور بتفاصيله كاملة، عاجلا أم آجلا. أما الولاء العسكري والتنظيمي لحزب الله مع إيران، فما زال طاغيا، ويعاند بقوة أي تبدل لمصلحة سيادة الدولة.
ثمة حاجة إلى ضغط دبلوماسي أفعل على إيران، سواء بالتواصل المباشر، أو من خلال الأصدقاء وخاصة من دول الخليج، ومن خلال القوى الدولية المؤثرة على إيران. يجب تحريك ضغط دبلوماسي مواز للضغط الأميركي. فإيران تنظر الى ضغوط أميركا بمنظار عدائي رغم كل ما قاله الرئيس ترامب عن رغبته بأن تكون إيران، جزءا من حركته من أجل السلام في الشرق الأوسط.
نحن بحاجة إلى الضغط الفرنسي والأوروبي أيضا. لا أقول الضغوط الروسية والصينية كي لا أقيم منافسة دولية غير مفيدة للبنان. ألضغوط الروسية والصينية قد تثير حساسية الولايات المتحدة. لبنان دولة صديقة للجميع لكن من الضروري إقامة تفاعل دبلوماسي هادىء مع طهران، لا يسيء إلى أغراضه. نعتقد أنه يمكن أن يتم هذا التفاعل الدبلوماسي من خلال فرنسا وألمانيا، وكذلك عبر المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، بغية إقناع إيران بتسليم كل أسلحة الحزب للدولة والجيش اللبناني ألذي يضم ضباطا شيعة مميزين بولائهم الوطني، وكذلك تمويل إعادة إعمار الجنوب عبر الدولة ومن خلال صندوق تشرف عليه هذه الدول، والتّعاون لتحويل المؤسّسات الخدماتية الإجتماعية لإدارة الدولة، والمساهمة بتمويل برامج تنمية للبيئة الشيعية بدلا من التجنيد العسكري، مثل الزراعات البديلة في البقاع. مثل هذا التوافق، لا يحرج إسرائيل فحسب، بل يعيد العلاقات مع إيران إلى بعد وطني غير فئوي وطائفي، ويعزز من سياساتها الإنفتاحية نحو جيرانها العرب.
قد لا تساهم هذه المحاولات الرسمية حالا بإسكات الأصوات الوطنية المعارضة للدور الإيراني. لكن صمت هذه الأصوات، يصبح تلقائيا، إذا رأى اللبنانيون استجابة إيرانية للعمل الدبلوماسي الوطني. لا أحد يريد عداء مع إيران، بل صداقة قائمة على أساس الإحترام المتبادل للسيادة الوطنية، ومبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.